القاهرة | تهدئة بعد تصعيد، هكذا تسير مفاوضات «سد النهضة» المتعثرة منذ تسع سنوات بين مصر وإثيوبيا. لكن هذه المرة المفاوضات رهن الضغوطات والحسابات السياسية والإقليمية للطرفين، مع استمرار العد العكسي لبدء تخزين المياه في بحيرة السد، والإسراع الإثيوبي في تجهيز البحيرة لاستقبال الكميات الأولى من المياه قبل منتصف الشهر المقبل. بين ليلة وضحاها، جاءت وساطة «الاتحاد الأفريقي» نتيجة تواصل أحادي بين رئيس جنوب أفريقيا ونظيره المصري ورئيسي حكومتي إثيوبيا والسودان، لتسفر عن اجتماع مصغر عبر «الفيديو كونفراس» استمر نحو خمس ساعات مساء الجمعة الماضي. والتوصيات المبدئية هي استئناف المفاوضات الفنية فوراً والتوصل إلى نتائج في غضون أسبوعين، المدة التي حددها رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، في بيان رسمي، قبل البدء بتخزين المياه.رغم تعهد أديس أبابا لباقي الأطراف بأنها لن تتخذ أي إجراءات أحادية، فإن هذا التعهد قد لا يكون جدياً، خاصة مع رصد أجهزة سيادية مصرية تكثيف العمل لتهيئة بحيرة السد لاستقبال المياه. وكان لافتاً أن الاستجابة الإثيوبية لوساطة الاتحاد جاءت قبيل أيام من انعقاد جلسة مجلس الأمن الطارئة استجابة للطلب المصري، كانت مقررة اليوم (الإثنين)، لكن اتفق على إعطاء المجلس خلفية عن الأزمة وانتظار ما ستسفر عنه جهود الوساطة الأفريقية. وتملك القاهرة صلاحية تقديم مشروع قرار إلى المجلس من أجل استصدار قرار حول «النهضة»، أو إرجائه حتى انتهاء الوساطة الحالية، وهو الخيار الأرجح حتى الآن، وسط تحرك دبلوماسي على مستوى رفيع في أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة.
تقرر تأجيل المناقشة في مجلس الأمن حتى تظهر نتائج مفاوضات الأسبوعين


يذكر أن إثيوبيا سبق أن طلبت إدخال جنوب أفريقيا كوسيط في المفاوضات بدلاً من الولايات المتحدة التي رعت مفاوضات استمرت ستة أشهر انتهت بالفشل، إذ اتهمت أديس أبابا واشنطن بالانحياز إلى القاهرة، رغم أن إخفاق تلك الوساطة جاء نتيجة التراجع الإثيوبي عن التوقيع في اللحظات الأخيرة. عن المفاوضات الجديدة، يقول رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فقيه، إنه جرى الوصول إلى اتفاقات حول 90% من القضايا العالقة، والآن «مكتب المفوضية سيعطي زخماً للمفاوضات الثلاثية مع حثّ الأطراف على الإسراع في إيجاد حلول ودية»، مشيراً إلى الاتفاق على الامتناع عن الإدلاء بأي بيانات أو اتخاذ إجراءات من شأنها تعقيد المفاوضات. وسيتولى دور الرقابة أعضاء مكتب الاتحاد من مالي والكونغو الديموقراطية وكينيا مع خبراء المفوضية، على أن يقدموا تقريراً إلى رئيس الاتحاد نهاية الأسبوع الجاري.
يقول مصدر مصري لـ«الأخبار» إن المشكلات القانونية لا تزال عالقة بكامل تفاصيلها، وإن ما جرى التوافق عليه بنسبة 90% «مرتبط بالملء والتشغيل فقط، وهذا الأمر محسوم أصلاً من مدة طويلة»، مشيراً في الوقت نفسه إلى «تواصل على مستوى رفيع مع الخرطوم من أجل تقديم رؤية مشتركة». وبينما وصف كثيرون المفاوضات الجديدة بأنها «انتصار للدبلوماسية المصرية»، يتوقع خبراء إخفاق المفاوضات التي يرعاها اتحاد القارة، لأسباب في مقدمتها مخالفة البيان الإثيوبي الصادر أول من أمس ما ورد في بيانات القاهرة والخرطوم عن النتائج. ولذلك، يؤكدون الاستعداد لإكمال المسار الذي بدأ في مجلس الأمن قريباً. وأثار البيان الإثيوبي غضباً مصرياً، خاصة أن أحمد تمسك ببدء تخزين المياه بعد أسبوعي التفاوض، ما يعني عدم منح دولتي المصبّ، مصر والسودان، الفرصة للنظر في التقارير التي تعدّها اللجان الفنية، علماً بأن تأخير بدء التخزين مرتبط بأن السد ليس جاهزاً بعد.