بغداد | رغم الضغوط السياسية، مضى رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، بقراره «الجدليّ»، كما يعبّر البعض، القاضي بـ«إيقاف الرواتب المزدوجة، ومحتجزي (مخيّم) رفحاء»، بعدما أكّد غير مرّة أنّه «ليس رد فعل وإنما عمليّة إصلاحيّة». أمس، أعلنت حكومته قرارها «إيقاف ازدواج الرواتب والمستحقات، واقتصارها على من لا يتجاوز راتبه الشهري مليون دينار (نحو 800 دولار أميركي)، شرط أن يكون مقيماً داخل العراق وربّاً لأسرة ولا يتقاضى راتباً آخر من الدولة». قرار الكاظمي مردّه قرار سبق أن اتخذه وهو إجراء إصلاحات اقتصاديّة «ضرورية وجذرية» لمواجهة الأزمة التي تعصف بالبلاد وبرزت معالمها مع انهيار أسعار النفط عالميّاً وجائحة كورونا.أما «محتجزو رفحاء»، فهم معارضو النظام السابق، الذين لجأوا إلى السعودية عام 1991 بُعيد غزو الكويت و«الانتفاضة الشعبانية»، وقد ضم المخيم نحو ثلاثين ألف لاجئ بين 1991 و2003، لكنه أُغلق نهائياً بعد سقوط بغداد بيد الاحتلال الأميركي في نيسان/ أبريل 2003. وبينما تقول «المفوضيّة العليا لشؤون اللاجئين» إنها ضمنت حصول فئة واسعة من المحتجزين على إقامة دائمة في دول مثل أوستراليا والولايات المتحدة وكندا والدنمارك، يرفض مصدر سياسي ذلك ويؤكد أن «غالبية أبناء رفحاء لم يهاجروا، بل بقوا في المخيم وعادوا بعد السقوط». وفي 2006، أقر البرلمان قانوناً يمنح كل من أقام في المخيم مع عائلته رواتب شهرية بمقدار 1.2 مليون دينار (ألف دولار تقريباً)، إضافة إلى امتيازات كالحصول على علاج وسفر ودراسة على نفقة «مؤسسة السجناء السياسيين»، عدا منحهم الوظائف والأراضي.
وفق عضو «اللجنة المالية» البرلمانية جمال كوجر، 30975 شخصاً يتقاضون رواتب باسم «رفحاء»، مؤكّداً أن «العدد الحقيقيّ للاجئين أقلّ من هذا بكثير». هذا العدد يُكلّف الخزينة نحو 30 مليون دولار شهرياً، من دون احتساب الامتيازات والمخصّصات منذ 2006، علماً بأن سوادهم من المقيمين خارج البلاد، ولهم مرتباتهم من الدول التي هاجروا إليها. في المقابل، ثمّة من يقول، من المقربين من الكاظمي، إن «المبلغ الشهري لرواتب هؤلاء مقدّرٌ بمئة مليون دولار، أي أكثر من مليار سنويّاً».
الذهنيّة الحاكمة هي اعتبار الدولة «خزنة» يجب الاستفادة منها


قرار الكاظمي لم يكن مفاجئاً، فقد أعلنه غير مرّة. والأسبوع الماضي قطع محتجّون الطريق السريع والرابط بين المحافظات الجنوبيّة والعاصمة، مهدّدين باعتصام مفتوح في حال أُلغيت رواتبهم. كذلك، دعا زعيم «ائتلاف دولة القانون»، نوري المالكي، الكاظمي، إلى الابتعاد عن رواتب السجناء والشهداء و«رفحاء»، «حتى لو اقتضى الأمر الاقتراض... من أجل أن يبقى النظام السياسي ولا يهتز». في هذا السياق، هناك من يؤكّد أن القرار سياسيّ، كما كان منحهم الرواتب آنذاك «قراراً انتخابيّاً». هذا المناخ يعبّر عنه المعارضون للحكومة وإجراءاتها بالقول إن «القرار خلق أزمات للتغطية على أمور أخرى ستولّد قريباً أزمات أكبر». أيضاً ثمّة من يقول إن «القرار يستهدف الضعفاء ويترك الأقوياء»، في إشارة إلى المحسوبين على النظام السابق، الذين يتقاضون رواتبهم وهم يقيمون في عمّان ودبي، إذ إن «قانون رفحاء يشمل أهالي حلبجة والأنفال وغيرهم... وعليه يجب تحديد الفئة المستهدفة».
بموازاة هذا النقاش، يحمل قرار الكاظمي دلالات، أبرزها: 1- تفريغ بعض القيادات السياسية من جمهورها، وخاصّة التي اعتمدت على جمهور لا يُنتج، بل يتّكل على الراتب. 2- تحجيم الهدر الكبير في الميزانيّة منذ إقرار القانون في 2006، المقدّر بأكثر من 10 مليارات دولار (تدفع الدولة شهريّاً نحو 6 مليارات رواتب لموظفيها). 3- محاولة الكاظمي مراعاة جمهور 1 تشرين الأوّل/ أكتوبر. 4- الذهنية الحاكمة للجميع ترى الدولة كـ«خزنة» يجب الاستفادة منها تحسّباً لأي تغيير، من دون البحث عن آليات لتطوير الاستثمار والقدرات.
إزاء ذلك، يُعدّ القرار قانونيّاً غير شرعي، إذ «لا يجوز لرئيس الوزراء أن يلغي قانوناً صدر عن البرلمان»، كما يقول كثيرون. لكنّ مقربين من الكاظمي يقولون إنّ فريقه في صدد تقديم مقترح إلى البرلمان، في حين تؤكّد مجموعةٌ من النوّاب، تحدّثت إليهم «الأخبار»، أن «المحكمة الاتحاديّة سترغم الحكومة على دفع الرواتب». وبمعزل عن النتائج، تشي التوقعات بأن القرار مادة دسمة للسجال بين الكاظمي و«حرّاس الهيكل» من القوى التي اعتادت شراء الجمهور بشعارات تلامس تاريخهم، فيما تراقب القوى الناشئة، من حلفاء طهران وواشنطن، هذا السجال، من دون تدخل مباشر، بل تغذّيه وفق مصالحها وصراعها مع الكاظمي.