القاهرة | بالقرار الذي أصدرته محكمة جنايات المنيا أمس على 529 من أفراد جماعة الإخوان المسلمين بإحالة أوراقهم على مفتي الديار المصرية، وهو ما يعني بحسب القوانين المصرية الحكم عليهم بالإعدام، دخلت المواجهة بين سلطات الدولة المصرية وجماعة الإخوان المسلمين وأنصارها مستوى جديداً من التصعيد المتبادل بين الطرفين.
تعود وقائع القضية التي يعدّ مرشد الإخوان محمد بديع وسعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب السابق أبرز الأسماء فيها، إلى ما جرى يوم 14 آب 2013، في أعمال الشغب والعنف والهجوم على المقار الشرطية التي جرت في بعض المحافظات المصرية احتجاجاً على عنف قوات الجيش والشرطة في فضّ اعتصامي ميدان رابعة العدوية ونهضة مصر، وفي الهجوم على مبان حكومية والاعتداء على منشآت عامة بينها مركز شرطة مطاي، وقتل نائب مأمور المركز، والشروع في قتل شرطيين، وحرق القسم، وإتلاف محتوياته.
ومن بين 529 محكوماً هناك 153 فقط موقوفون، أما الباقي فهم فارون من العدالة. وكانت المحاكمة بدأت السبت أمام محكمة جنايات المنيا وتمت تبرئة 17 من المتهمين خلال الجلسة الثانية التي عقدت أمس.
الإجراءات الأمنية المشددة التي صاحبت جلسة القضية، والتي وصلت إلى حدّ طلب أجهزة الأمن من المحال والمطاعم والمقاهي في محيط المحكمة الإغلاق لمدة أسبوع قبل الحكم، لم تمنع ردّ الفعل السريع بإغلاق أجهزة الأمن لشارع الكورنيش الرئيسي في المحافظة ومنطقة مجمع المحاكم، وصرف الموظفين وطلاب المدارس باكراً، وحملة اعتقالات عشوائية، رداً على التظاهرات العفوية التي خرجت من بعض المساجد.
جماعة «الإخوان» المسلمين، وفي تعليق على القرار، رأت أن الحكم «عملية إبادة جماعية جديدة»، مشيرةً إلى أن مثل هذه الأحكام الهدف منها «إخراج الثورة عن سلميتها». وفي بيان لها مساء أمس، قالت الجماعة تعقيباً على الحكم، إن «الانقلاب العسكري استخدم مؤسسات الدولة ضد ما أنشئت له، فاستخدم الإعلام لتضليل الناس، واستخدم الجيش والشرطة في قتل الشعب، وها هو يستخدم القضاء ليرتكب عملية إبادة جماعية جديدة فاقت في بشاعتها وجرمها مذبحة دنشواي التي كانت سبباً في فضيحته على مستوى العالم».
بدوره، التحالف الداعم للشرعية دعا في ردّ فعل سريع إلى التظاهر غداً الأربعاء في ميادين النهضة والتحرير ورابعة العدوية للتنديد بالحكم.
المحامي الحقوقي محمد عبد المنعم رأى في حديث إلى «الأخبار» أن هذا الحكم بمثابة سابقة قضائية ليس في تاريخ القضاء المصري فحسب، بل في تاريخ القضاء عموماً، لا سيما أن الحكم صدر عقب جلسة واحدة فقط من النظر في الدعوى، وخلال يومين فحسب. وتساءل عبد المنعم «كيف استمع إلى مرافعات النيابة لعرض أدلة الثبوت، ومناقشة شهود الإثبات والنفي ثم الاستماع إلى مرافعات الدفاع باعتبار أن المتهم آخر من يتكلم، ثم إقفال باب المرافعة تمهيداً لإصدار الحكم؟». وأضاف عبد المنعم، وهو عضو سابق في لجنة الحريات في نقابة المحامين المصرية، «نحن إزاء فرضيتين، إما أن تكون المحكمة التي أصدرت الحكم لديها اقتناع بأن حكمها سينقض وأن الحكم مصيره الإلغاء، بمعرفة محكمة النقض، فنكون بصدد هزل في موضع الجد، وإما أن تكون المحكمة مقتنعة بالفعل بضرورة إزهاق أرواح 529 نفساً أسندت إليهم اتهامات مرسلة، ولم تتوافر لديهم ضمانات المحاكمة نصف العادلة، وهنا نكون بصدد إشكالية أكبر تتجاوز وصف الخطأ المهني للمحكمة إلى درجة تنال من سمعة مرفق العدالة بأكمله».
أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة سيف عبد الفتاح فرأى أن «عضّ الأصابع بين «الإخوان» والدولة مستمر والحكم الصادر أحدث جولاتها». عبد الفتاح أبدى تعجبه من قرار بإعدام أناس رفضوا موقفاً سياسياً من قضية معينة، مشدداً على أنه «لو مرّ حكم الإعدام بالسهل فسيكون الحكم القادم بالإعدام لألفين من المتظاهرين»، داعياً إلى التصعيد وإدراك اللحظة الفارقة.
بدوره، الدكتور كمال حبيب، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، شدد على أن القراءة الأولية لعنوان الحكم «الصادم جداً» و«الطائش وغير المسؤول»، «سيؤدي إلى نتائج سيئة جداً على المستوى الإعلامي والشعبي، ما يغذي انطباعاً لدى شريحة من المجتمع أننا إزاء دولة بلطجة، وأن المؤسسة القضائية غير محايدة، ما يغذي شعور الإسلاميين ويؤكده أن الدولة تحارب الإسلاميين، وأنها دولة لا يمكن الوثوق بأنها لا تحاول استئصال الإسلام نفسه، وأن تحالف الدولة «العسكرية، العلمانية» هو بالأساس ضد الإسلام».
وأضاف حبيب لـ«الأخبار» أن الحكم تجاوز غير مسبوق لكل مستويات «عنف الدولة» في مصر، وأن أقصى أحكام إعدام كانت لـ5 أفراد في عامي 1954 و1965، في فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، مشيراً إلى أن القضاء المصري لم يوغل في أحكام الإعدام أبداً، خاصة في القضايا ذات الشق السياسي، ومكملاً أن الحكم جاء ليؤكد أن «القضاء مؤسسة غير مؤتمنة وأفرادها يحتاجون إلى تدريب، وأن البعد الأمني والقمعي ما بعد 30 يونيو هو أهم عناوين النظام الجديد». صدمة القوى السياسية المصرية حتى من المختلفين مع «الإخوان» من قسوة الحكم تجلّت في تصريحات العديد من السياسيين والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل رئيس حزب الغد أيمن نور الذي رأى أن «الحكم يصادم حق الحياة بمواثيق حقوق اﻻنسان وقد ألغته معظم الدول، ومن أبقى عليه هجره ولم يتوسع فيه... لا أذكر في التاريخ أن قاضياً حكم بإعدام 528 شخصاً في يوم واحد». ووصفت الناشطة الحقوقية المعروفة منى سيف الحكم بأنه «مذبحة بحكم قضائي»، متهكمة على من وصفتهم بـ«الكائنات اللي شايفة الحكم بالإعدام على 500 بني آدم في أيام من غير دفاع المحامين انتصاراً للعدل».
وذهب الناشط السياسي المعروف لؤي نجاتي إلى أن «حكم الإعدام الجماعي الذي صدر بحق 529 مواطناً، حكم سياسي غرضه إيصال رسالة إعلامية للتخويف»، مشيراً إلى أن «محكمة النقض سترفض الأحكام».
ورأت الجماعة الإسلامية في بيان رسمي لها أن «الحكم الذى افتقر إلى أبسط قواعد العدالة وخالف القانون يؤكد أن هناك انهياراً واضحاً في منظومة العدالة في مصر وعدم وجود أي ضمانات للحياد والنزاهة في صرح كان يظن الشعب المصري يوماً أنه بيت العدالة إلى أن صار رأس حربة للانقلاب العسكري».
الحكم يعكس أزمة لدى «العسكر» الذي يسعى على ما يبدو إلى جرّ «الإخوان» وحلفائهم إلى ساحة الصدام المسلح، في تكرار للعشرية السوداء الجزائرية، بحسب قراءة هيثم أبو خليل، مدير مركز ضحايا لحقوق الإنسان، الذي كتب في تدوينة له على موقع «فايسبوك»، «العسكر المجرمون يريدون أن يورطونا في استخدام العنف رداً على مجازرهم وقرارت الإعدام العبيطة»، مضيفاً أن «السيناريو الجزائري كان مؤلماً والعالم كله صمت على قتل 300 ألف جزائري بأيدي عسكر الجزائر» الذين يريد عسكر مصر تقليد تجربتهم بعد أن وصلوا إلى حافة اليأس من التظاهرات المستمرة طوال 9 أشهر».
إلى ذلك (أ ف ب، الأناضول)، وفي أول تعليق لها على الحكم، أعلن مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية أن بلاده تشعر بـ«القلق العميق» لأحكام الإعدام التي صدرت.
وذكر المسؤول في وزارة الخارجية أنه «رغم إمكانية استئناف تلك الأحكام، لا يبدو من الممكن في قضية تشمل أكثر من 529 متهماً مراجعة الأدلة والشهادات بشكل عادل ويتناسب مع المعايير الدولية خلال جلستي محاكمة فقط».
بدوره، انتقد نائب المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق أحكام الإعدام. وقال إن «موقف الأمم المتحدة لم يتغير إزاء تنفيذ عقوبة الإعدام بحق المتهمين، وهو ما ينطبق على ما تم إعلانه اليوم في مصر».