نابلس | رغم إعلان السلطة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني وإلغاء العمل بالاتفاقات مع العدو الإسرائيلي والولايات المتحدة الأميركية على حد سواء، فإن غالبية الفصائل وكذلك الجمهور تساورهم شكوك في جدية السلطة وتطبيقها الفعلي لإعلانها، وخاصة أن أحداثاً كثيرة خلال الأيام الماضية أثبتت أن أجهزتها الأمنية تصرفت على الأرض تماماً كما كان قبل وقف التنسيق. يقول مصدر أمني لـ«الأخبار»، إن «وقف الاتصالات مع الإسرائيليين صحيح وفعلي. ما يجري على الأرض أن أجهزة الأمن تتعامل مع الأحداث بصورة مستقلة وبمعزل عن العدو، لكن بالأسلوب والهدف والخطوات نفسها، أي أنها لا تزال تراقب عناصر حماس وغيرها، وتتابع أي أحداث كما قبل إعلان التحلل من الاتفاقات ووقف التنسيق». ويضيف: «الجديد هو أن الأمن يحاول أن يتصرف باستقلالية دون تزويد الضباط الإسرائيليين بالمعلومات أو التواصل معهم مباشرة، لكن لا جديد طرأ على عقيدة الأجهزة أو عملها أو أهدافها، والذي تغير هو الآلية». كلام المصدر الأمني يجيب بوضوح عن الالتباس الذي جرى في الأسابيع الأخيرة، إذ يعني أن السلطة تؤدي واجباتها المنوطة بها منذ اتفاق أوسلو وما بعده من عقيدة أمنية رسخها الضباط الأميركيون، لكن بالاعتماد على أنفسهم هذه المرة، وهو ما يعني أنه وقف انتقائي للتنسيق، لأن رام الله تعلم تماماً أن الوقف الحقيقي للتنسيق يعني انتهاء السلطة، فضلاً عن أن الوقف الانتقائي طاول «التنسيق المدني» في محاولة كما يبدو لتسخين الجمهور.في الرابع من الشهر الجاري، فجر الخميس، وتحديداً نحو الثانية صباحاً، اقتحمت حافلات تُقل مئات المستوطنين منطقة قبر يوسف في مدينة نابلس، شمال الضفة المحتلة، بحراسة جيش العدو الذي أمّن لها مسار الوصول قبيل الاقتحام حتى انتهائه. لم يكن هناك جديد يُذكَر، غير أنه بعد مرور أسبوعين على إعلان وقف التنسيق، اقتحم العدو مع المستوطنين القبر دون إبلاغ أمن السلطة. مع هذا، لم يحدث أي صدامات بين الطرفين، بل تصرفت السلطة تماماً كما قبل وقف التنسيق. يضيف المصدر: «وصلتنا أنباء من مصادر استخبارية محلية بوجود تجمعات للجيش على حاجز بيت فوريك، المنفذ الذي تدخل منه حافلات المستوطنين عادة لأداء شعائر تلمودية في قبر يوسف، فصدر تعميم بأن التصرف وفق المعتاد ودون احتكاك». بناءً على ذلك، انسحبت دورية للسلطة عندما وصل العدو تجنباً للصدام، فيما اندلعت مواجهات بين الشبان الفلسطينيين والجنود حتى أحكم الاحتلال قبضته وطوّق المكان فدخلت حافلات المستوطنين. في المقابل، ووفق مصادر محلية، تصرف جيش العدو على غير عادته، «ربما لإدراكه أن من الضروري تأمين المستوطنين بهدوء والتصرف بحذر كون الاقتحام هو الأول عقب وقف الاتصالات». إذ في الوقت نفسه تقريباً من العام الماضي، خلّفت المواجهات أكثر من 25 إصابة في صفوف الشبّان الفلسطينيين، من بينها واحدة بالرصاص الحي وثمانٍ بالمطاطي، لكن قبل أيام لم تحدث أي إصابات، في مؤشر على تجنب العدو تحقيق إصابات وحرصه على إنهاء اقتحام المستوطنين بهدوء.
عَمَد أمن السلطة إلى استعمال لوحات مدنية للتهرّب من التنسيق


على خط موازٍ، يحتجز العدو أي مركبة تتبع لأمن السلطة تخرج من مراكز المدن، أي مناطق «أ»، ويستجوب عناصر الأمن ويعيق مهماتهم كونهم لم يتصلوا به مسبقاً، ثم يُطلق سراح العناصر بعد ساعات، كرد فعل ميداني، وهذا ما يعيق مهام أجهزة الأمن بما فيها الشرطة ويمنع وصول دورياتها إلى المناطق المصنفة «ب» أو «ج» التي تشكل الغالبية العظمى من مساحة الضفة (مناطق «ج» تساوي 61% من المساحة الكلية) وفق إحصاءات 2019، علماً بأن «الإدارة المدنية» التابعة لجيش العدو تتحكم بمساحة مناطق «ج»، إلى حد أنها تزيد مساحتها بين حين وآخر في مناطق كثيرة، بل إن مناطق «ب» قد تتحول إلى «ج» في أي وقت بموجب قرارات عسكرية، فيُمنَع على الفلسطينيين البناء فيها أو الوصول إليها إلا بتنسيق أمني بين السلطة والعدو. تعود المصادر الأمنية وتؤكد أن السلطة «جادة في وقف الاتصالات، لكن لن يتغير برنامج عمل أجهزتها، بل ستعمل بمعزل عن الاتصال مع الإسرائيليين». وبشأن احتجاز مركبات الأمن، تستعمل الآن «المركبات الأمنية المدنية كحل أولي»، لكن سرعان ما بدأ العدو يوقف أي مركبات حكومية أو تتبع للسلطة (تحمل لوحة تسجيل رقم 99 أو لوحة حمراء)، رغم أنها مدنية مثل بقية المركبات. ولهذا عَمَد أمن السلطة إلى تغيير لوحات المركبات لضمان تحرك أفضل «إلى حد ما» تحت غطاء مركبة مدنية!
في المحصلة، وبعد استقصاء تفصيلي، كل شيء مستمر في عمل السلطة، كل جهاز وفق اختصاصه، لكن بمعزل عن الاتصال الرسمي مع الضباط الإسرائيليين. وفي ما يتعلق بالتنسيق المدني، فتح العدو باب التقديم إلى التصاريح أمام العمال بمعزل عن «الارتباط المدني» التابع للسلطة، وصارت طوابير من العمال تتقدم مباشرة لدى «مكاتب الارتباط المدني والعسكري الإسرائيلي» بناءً على إعلان الصفحات التابعة لـ«الإدارة المدنية الإسرائيلية» الموجهة إلى مناطق فلسطينية محددة، وهي أيضاً خطوة تراها السلطة رد فعل على قرارها الذي لا يعدو حتى الآن مناورة سياسية أخيرة للضغط في سبيل وقف ضم الضفة وعودة المفاوضات إلى المربع الأول برعاية دولية.