القاهرة | جزء من دور الدولة في مصر وتعهداتها كان توفير المساحات الخضراء وحق ممارسة الأنشطة الرياضية للمواطنين، ولهذا اقتطع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بعد ثورة 1952 مساحة من «نادي الجزيرة»، وهو نادي الأثرياء في «المحروسة»، لإنشاء «مركز شباب الجزيرة»، ليظل كلاهما متجاورين: مركز الشباب الذي يستخدمه أبناء الطبقة الفقيرة والعاملة، ونادي الأثرياء، إذ لا يفصل بينهما سوى سور فقط، تحقيقاً للعدالة الاجتماعية. لكن قبل سنوات قليلة تحول «شباب الجزيرة» ليكون للأثرياء أيضاً بعدما قامت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بعملية تطوير للمركز ورفعت أسعار الاشتراك فيه أكثر من 30 ضعفاً مرة واحدة، فضلاً عن زيادة أسعار تذاكر دخوله واستخدام خدماته.بذلك، استرجعت «الهيئة الهندسية» في أشهر قليلة ما تمّ إنفاقه في إعادة بناء المركز لكن مع زيادة مطّردة في الأسعار والخدمات التي يقدمها بصورة جعلته غير مناسب للطبقات الفقيرة بل للمتوسطة، لتقضي على مبدأ العدالة الاجتماعية الذي حاول عبد الناصر تطبيقه في تأسيس هذا المركز المطلّ على نيل القاهرة. المشروع الناجح لفت أنظار جهاز المخابرات العامة الذي وجد في مراكز الشباب والمواقع الرياضية التي تمتلكها وزارة الشباب والرياضة «ثروة» يمكن استغلالها لتحقيق عائدات كبيرة، خاصة أن هذه المراكز تعاني نتيجة نقص الأموال المخصّصة لها وقلة الاستفادة من إمكاناتها ومواقعها.
هذا الواقع دفع المخابرات، عبر إحدى شركاتها، إلى توقيع بروتوكول تعاون بالأمر المباشر مع الوزارة قبل أقلّ من عامين، للبدء في شراكة بهذه المشروعات. والشركة الجديدة هي «ستادات» التي استحوذت على الحصة الحاكمة في «بريزنتيشن»، الوكيل الإعلاني للأندية سابقاً والمملوكة للمخابرات أيضاً، وهي جزء من «المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية» التي تمتلك المحطات الفضائية وعدداً من الصحف الخاصة ويترأسها رجل الأعمال والمنتج تامر مرسي شكلياً.
أيضاً، في المدن الجديدة التي يتوسّع فيها النظام حالياً ثمة مساحات كبيرة مخصّصة كأندية اجتماعية ورياضية، لكن بعض هذه المواقع تسعى المخابرات إلى الاستيلاء عليها عبر مشروعها الجديد الذي يحمل اسم «أندية سيتي كلوب»، وهو مشروع يقوم على استحواذ شركة تابعة للمخابرات على مراكز الشباب وتحويل أسمائها، لتكون أندية تستقبل عضويات بمبالغ تبدأ من ألفي دولار حتى خمسة آلاف في المرحلة الأولى، بخلاف رسوم التجديد السنوي المقدّرة مبدئياً بنحو 50 دولاراً. ولجأت المخابرات إلى البنك التجاري الدولي لدعم المشروع كي يتيح قروضاً ميسّرة للراغبين في الاشتراك مع تسهيلات بالسداد، بجانب حملة دعائية بدأها البنك للترويج للمشروع الذي سيشارك فيه بصيغة لم تُعلن رسمياً حتى الآن.
أما وزارة الشباب، فتبرّر التعاقد مع المخابرات برغبتها في توفير خدمات أفضل مع موارد مالية كبيرة يمكن بها الإنفاق على البنية التحتية التي سيعاد تجهيزها من دون أن تتحمل الوزارة أو الدولة مبالغ إضافية، على أن يكون الاستحواذ بصيغة الانتفاع لـ25 عاماً، وهي مدة العضوية التي يتم الاتفاق فيها مع العميل. وكجزء من البحث عن العائد التجاري الربحي بخلاف العائد من رسوم الأنشطة والخدمات، ستتضمن غالبية هذه الأندية قاعات للأفراح ومطاعم ستعرض للإيجار، وهو ما بدأ العمل عليه في التصميمات الخاصة الجاري تجهيزها.
كما اختارت الشركة 15 مركزاً شبابياً على مستوى الجمهورية للبدء في العمل بها، فيما تخطط لمضاعفة العدد خلال عام واحد فقط، لتكون موجودة في جميع المحافظات، وسط معارضة في بعض المدن وتهديدات من الأهالي باللجوء إلى القضاء لإبطال الاتفاق على استغلال بعض المواقع خاصة أن بعضها في قلب المدن المزدحمة بالفعل وتخدم الآلاف من المواطنين.