برغم حالة الانسجام التي ميّزت بداية عهد الشراكة بين العسكر والمدنيين، طفت مجدّداً الإشكالات القديمة مع مستجد هو نشوء تقاطعات في الرؤى بين بعض مكونات الشق العسكري والمدنيين من جهة، وبين عناصر المكون العسكري أنفسهم من جهة أخرى. لكن يبدو أن البرهان تدارك الموقف سريعاً بعد خروج التسريبات التي تؤكّد عرقلته عمل «لجنة إزالة التمكين» المنوط بها تفكيك منظومة الفساد التي بناها رموز النظام السابق، ويظهر ذلك في العبارات المباشرة التي وردت في خطابه قبل أكثر من أسبوع، عندما قال: «من يروّجون للشائعات هدفهم تفتيت وحدة السودان وتشتيت جهود المنظومة الأمنية وصرفها عن واجباتها في الحفاظ على أمن واستقرار البلاد».
يجد أنصار النظام السابق في البرهان ملجأ وحيداً لعودتهم إلى الواجهة
لعل البرهان، الذي يجد فيه أنصار النظام السابق ملجأ وحيداً قد يتمكنون عبره من إسقاط «الحكومة الانتقالية» ومن ثم عودتهم إلى الواجهة، أراد قطع الطريق على التحالفات الجديدة، خاصة أن آخر مظاهرات شهدتها العاصمة الخرطوم في الأسابيع الماضية حملت شعارات: «يا برهان عاوزين بيان»، في إشارة واضحة إلى «بيان انقلاب». لكن مراقبين يرون أن رئيس «السيادي» يدرك جيداً أنه في حال استجاب لدعوات الانقلاب فإن جزءاً كبيراً من الجيش سينشق، ولذلك سارع بالخروج من المشهد مع أن لديه ميولاً إلى الانقلاب على الحكومة المدنية، لكنه حالياً لا يفتأ يؤكد التزامه الشراكة السياسية وأن لا سبيل لعودة النظام السابق.
في هذا السياق، يحذّر المصدر في الجيش من «التفاف المكوّن العسكري على السلطة المدنية»، مشيراً إلى أن «من هم على رأس العسكر في المجلس السيادي معروفون بميولهم الإسلامية». بالوتيرة نفسها، ومثلما سارع البرهان إلى تأكيد أن «القوات المسلحة بجميع مكوناتها على توافق تام»، وأن «المنظومة الأمنية على قلب رجل واحد»، عاد ونفى أيّ شرخ بينه وبين أحد مكونات المنظومة الأمنية، «الدعم السريع»، بعد أنباء عن خلافات مكتومة بينه وبين «حميدتي». مع ذلك، لا يخفى أنه سعى إلى تسويات مع فلول النظام السابق الذين ثبت تورطهم في قضايا فساد، بل حاول تمرير تلك بالضغط على المكون المدني وتعطيل محاسبة الفاسدين. يقابل دقلو ذلك بإعلانه تمسّكه بـ«محاسبة كل المتورطين في قضايا الفساد وإعادة الممتلكات التي نهبوها إلى الدولة»، وهو رأي جعله قريباً من الحكومة. ولتأكيد ذلك، اختار «حميدتي» نفسه ليكون رئيس آلية الطوارئ الاقتصادية المنوط بها إنقاذ الاقتصاد والنهوض به، فيما اختار رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، نائباً له.
يلخّص مصدر مطلع المشهد بالقول إن «ما يهمّ حميدتي حالياً هو ضمان سلامة قواته، ولذلك على الناس دعمه على الأقل في الوقت الراهن، إلى أن تتم هيكلة الجيش وإصلاحه، ثم دمج قوات الدعم السريع في الجيش ليكون جيشاً ذا عقيدة قومية». وبينما وجد البرهان أن «الدعم السريع» تتقدم في اتجاه إرضاء الشارع، رأى أنه لا بدّ من إعادة الجيش إلى الواجهة، فصرّح بوضوح: «لدينا أدوار كبيرة في ظل الظروف الحالية في إسناد لجنة الطوارئ الاقتصادية وتنفيذ التدابير الصحية» إلى الجيش، خلال أزمة كورونا الراهنة. وإلى جانب ذلك، يحاول سريعاً قطف ثمار التطبيع مع إسرائيل، إذ تحدث الاثنين الماضي هاتفياً مع وزير الخارجية الأميركية، مايك بومبيو، ليحثّه على رفع اسم السودان من «قائمة الإرهاب».