سوريا: آذار رابع... ولا ربيع | دمشق | «لو نرجع، فسنقبل ما بقي من مساحة لبيتنا الذي كان...». قالها أبو علاء، الذي يتحدث عن مسيرة نزوحه الماراتونية مع أسرته، من حيّ السيدة زينب جنوب دمشق، الى أطراف جرمانا. وبين المنطقتين «نزحنا إلى الكسوة ثم إلى الحسينية فدرعا وصولاً إلى السويداء ثم غوطة دمشق الشرقية حتّى يبرود»!منذ شهر رمضان الماضي، سكن أبو علاء، لشهرين، في دكان (إيجاره 8 آلاف شهرياً)، قبل أن يستقر في بيت «على العضم» في جرمانا (5 آلاف شهرياً) مع ما بقي من ثياب وأغطية وأوان أنقذها من بيته في حي السيدة زينب.

عبر بخّاخات الجدران «أرسل مجهولون تهديداً بتفجير الحي بأكثر من عشر سيارات مفخخة كي نغادر. لم نستجب حتى انفجرت أول سيارة، فهربنا بعد ساعات. من نسي شيئاً وعاد الى بيته، وُجد مقتولاً ذبحاً! إذ كان الحي خطاً فاصلاً بين الجيش والعناصر المسلحين الذين يتوارون في الحارات الخلفية، يضيف.
أبو علاء وزوجته وصغارهما يقيمون اليوم في منزل تعشّش فيه الرطوبة، وساعدت منظمة اللاجئين والمهجرين العراقيين على فرش صالونه بأغطية «الفليكس»، فيما استبدل زجاج النوافذ بأكياس النايلون.
في الطابق الرابع من المبنى غير المكتمل نفسه يقيم الفلسطيني أبو نورس القادم من الحسينية في ريف العاصمة. يقول الرجل الذي يخدم في «جيش التحرير» في مخيم اليرموك: «أقمت في خيمة في احدى المدارس التابعة للأونروا في جرمانا، لكن صحة الوالدة تدهورت، كما عانيت وزوجتي وأختي وأولادي الثلاثة صحياً». أبو نورس حصل من «الأونروا» على أغطية و«فرش» اسفنجية وشوادر لإغلاق النوافذ.
وتستقطب مدينة جرمانا آلاف النازحين والمهجرين من المناطق الساخنة. وبعد امتلاء الملاجئ والمدارس المخصصة لاستقبالهم، بدأت ظاهرة السكن في أبنية غير مكتملة (على العضم)، تفتقد أبسط مقوّمات الحياة.
الانتظار يعمّ الفنادق وبيوت العائلة
الحياة المؤقتة لـ«أبو علاء» و«أبو نورس» لا تختلف كثيراً عن حياة سعاد، الأرملة التي عادت إلى مدينتها دمشق قبل حوالى سنتين بعد توتر الأوضاع في حمص، ولم تتمكن من حجز مكان لها في منزل العائلة مع أولادها... بعدما بات ممتلئاً بالنازحين ممن قدموا من مختلف مناطق ريف دمشق. فكان الخيار الوحيد أمامها استئجار غرفة صغيرة بألف ليرة سورية شهرياً في أحد فنادق المرجة الرخيصة. والبقاء مع عائلتها الصغيرة فيها، لتندمج في جو جديد لا يختلف عن ذلك الموجود في مراكز الإيواء من حيث الفقر وقصص الموت والخوف والبطالة.
تأسف سعاد على حياتها السابقة. تتذكر، بحرقة، مدينة حمص التي سكنتها قبل 7 سنوات عندما تزوجت. اليوم لم تعد تعرف شكل المدينة ولا ما حل بمنزلها. أفراد عائلة زوجها نزحوا إلى مناطق مختلفة، فيما قتل زوجها «بالغلط أثناء اشتباكات قرب حيّنا في بداية الأحداث».
في الغرفة المتواضعة تطبخ سعاد لعائلتها الصغيرة حيث ينامون ويستحمّون. أما الحياة الاجتماعية، فتقتصر على زيارة جاراتها في الفندق أو استضافة أحد أفراد الأسرة في البهو.
مصدر في وزارة الشؤون الاجتماعية قال لـ«الأخبار» إنه جرى استحداث عدد من المراكز منذ بداية الأزمة لاستيعاب المهجرين وتأمين حاجاتهم الأساسية بما يكفل لهم المعيشة اللائقة، «ونظراً الى الارتفاع الكبير في عدد المهجرين، بدأت لجنة إعادة الإعمار بالتنسيق مع اللجنة العليا للإغاثة ومع عدد من المنظمات الدولية العمل على إطلاق مشروع تشييد وحدات سكنية جاهزة لتأمين السكن المؤقت للمهجرين». أما النازحون خارج مراكز الايواء، فيؤكد المصدر «أن الوزارة تصل اليهم عبر تفعيل العمل الإغاثي للجمعيات الخيرية التي تتولى تقديم المساعدات الإغاثية الأساسية».
وعن المقيمين في المناطق المحاصرة، قال المصدر ان الوزارة تعمل مع «الهلال الأحمر» على وضع خطط للمتضررين في تلك المناطق وتأمين احتياجاتهم الأساسية، وذلك من خلال وضع خطط للوصول إلى مناطقهم. وقد نجحت أخيراً في فك الحصار عن دير الزور وإيصال المساعدات الإغاثية إليهم.
العمل الإغاثي باب للفساد
في دمشق، نشط العمل الإغاثي لمساعدة المهجرين والمنكوبين ممن توافدوا إلى العاصمة بعدما خسروا كل شيء. وبرغم كثرة العاملين وحجم الأموال المنفقة في هذا المجال، إلا أن واقع الحال يشير الى أن هذه الجهود لا تثمر بالضرورة، كأنها تصرف في غير مكانها، أو تعاني سوء التنظيم والإدارة. والأهم أن هذا النشاط فتح المجال أمام الطامحين الى جمع الأموال وتكديسها، إذ إن آلاف النازحين في مناطق بالقرب من دمشق لا يزالون حتى منتصف الشتاء من دون أغطية، ومن دون أية وسيلة للتدفئة، كأن جمعيات الإغاثة لم تعلم بهم أو لم تسمع عنهم، برغم الحملات الكبيرة التي نفذت في دمشق وضواحيها لتوزيع الحرامات والملابس.
يؤكد سامر، أحد الناشطين في العمل الإغاثي، لـ«الأخبار» أن أموراً كثيرة تعيق العمل الإغاثي في دمشق اليوم، «أولها السرية المالية. فالجمعيات غالباً لا تصرح من أين تأتي بأموالها ولا أين أنفقتها». ويضيف: «فكرة التعتيم على الحركة المالية تثير علامات استفهام. والأسوأ أن هناك جمعيات لا تعمل، لكن لها اسم، كما توجد جمعيات تصرف أموالاً كبيرة على المكاتب والمؤتمرات».
ويوضح علي مقداد، وهو من أوائل المتطوعين والناشطين في المجال الإغاثي، أن نسبة الفساد عالية في هذا المجال، لأن هناك إمكانية كبيرة للسرقة، «فكثيراً ما جمعت قوائم بأسماء العائلات المهجرة المقيمة خارج مراكز الإيواء لتقدم إلى رجال أعمال ومانحين بحجة جمع الأموال منهم، من دون أن تجد هذه الأموال سبيلها إلى المحتاجين ممن وردت أسماؤهم في القوائم».
والأغرب عند الحديث عن مشاكل العمل الإغاثي، بيع المعونات العينية التي تُقدّمها المنظمات الدولية، والجهات الحكومية والأهلية، في المحال وعلى الأرصفة والبسطات، وحتى من دون أن تشطب عبارات تؤكّد أنّها غير مخصصة للبيع، وأنّها مستوردة لمصلحة منظمات وجمعيات الإغاثة!