تكرر السيناريو نفسه الذي جرى خلال التصديق على قانون الحوكمة لجهة مقاطعة المعارضة جلسة الكنيست أمس التي صُدِّق خلالها على قانون التجنيد، بأغلبية 65 مقابل معارضة عضو كنيست واحد، تمرد على الاتفاق الائتلافي، والأمر نفسه يفترض أن يتكرر اليوم خلال تصديق الكنيست على قانون الاستفتاء الشعبي.
يشكل إمرار قانون التجنيد في الكنيست، إحدى أهم المحطات السياسية الداخلية، وتتويجاً لمسار وتجاذبات حادة بين الكتل السياسية، بهدف التوصل إلى حل لمسألة هي من أكثر القضايا إشكالية في إسرائيل. وبعدما كان الحريديم يُعفَون من عبء التجند للجيش، بحجة تفرغهم لدراسة التوراة، فيما جذور موقفهم الرافض للتجند تعود إلى خلفيات عقائدية ودينية، حدد القانون الجديد تجنيد نحو 5200 شاب حريدي لأداء الخدمة العسكرية أو المدنية بدءاً من عام 2017، على أن تُطبَّق عقوبات جنائية على المتهربين من أداء الخدمة الإلزامية من طلاب المعاهد الدينية (اليشيفوت)، باستثناء 1800 طالب حريدي، يُحدَّدون طلاباً دائمين، ويحصلون على إعفاء من الخدمة. ومن المفترض أن تبدأ بعد التصديق على القانون في الكنيست، الفترة الانتقالية وبموجبها سيحصل إعفاء عام لكل طالب مدرسة دينية حريدية، بدءاً من سن 22 وما فوق، الأمر الذي سيمكّنه من التوجّه إلى سوق العمل، فيما سيتحتم على طلاب المدارس نفسها من سن 18 إلى سنّ 22 الالتزام في كل عام التجند في الفترة الانتقالية، وسينضم إليهم في كل عام دفعة طلاب جدد.
من جهة أخرى، بالرغم من أن إمرار القانون شكل ترجمة لوعود انتخابية رفع شعارها رئيس حزب يوجد مستقبل، يائير لابيد، لكن من المتوقع أن يسهم في تعميق حالة الشرخ القائمة في الساحة السياسية، الأمر الذي سينعكس سلباً على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في إذا ما حاول الاستعانة بهم في مواجهة حالات ابتزاز قد يتعرض لها من قبل شركائه في الائتلاف الحكومي. أضف إلى السؤال عن حقيقة موقف الأحزاب الحريدية من اختيار نتنياهو رئيساً للحكومة في المرة القادمة، وهو أمر لوّح به رئيس حزب شاس اريه درعي، الذي أعلن أن مرشحه لرئاسة الحكومة المقبلة، هو رئيس المعارضة وحزب العمل يتسحاق هرتسوغ. لكن التدقيق في الخريطة الحزبية والسياسية الداخلية، الحالية، يجعل هذا الخيار مشكوكاً فيه، لأن الأرقام لا تتفق مع هذا السيناريو، إذ لا يمكن هرتسوغ أو غيره، تشكيل حكومة من دون حزب «يوجد مستقبل» الذي سيشترط دعمه بتطبيق قانون التجنيد في عام 2018، الذي بادر بنفسه إلى فرضه، بينما سيطالب الحريديم بإلغائه. وبالتالي سيكون من الصعب عليه إيجاد مساحة تفاهم مشتركة تمكنه من نيل تأييد الطرفين المتقابلين. كذلك فإن هذا الموقف قد ينعكس انتخابياً على هرتسوغ نفسه، لأن شرائح واسعة من الجمهور العلماني في إسرائيل ترفض بشدة الامتيازات التي يتمتع بها الحريديم.
من جهة أخرى، وبعد انتهاء جولة الكباش بين المعارضة والائتلاف على خلفية إمرار قانون التجنيد، نفذ عدد من أعضاء المعارضة الإسرائيلية، تهديدهم بإخلاء قاعة الكنيست، مع بدء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كلمته، في حضور رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون. وفي ظل مقاطعة أعضاء الكنيست الحريديم والعرب، الذين لم يعودوا إلا بعد انتهائه من كلمته، شدد نتنياهو على أن التحدي الأهم بالنسبة إلى إسرائيل وبريطانيا هو منع تطوير إيران سلاحاً نووياً. كذلك تعهد أن يستمر في دعم عملية السلام مع الفلسطينيين، متهماً إياهم بأنهم يتحملون مسؤولية عدم تقدم عملية السلام، في إشارة إلى عدم موافقتهم على شروطه حول الاعتراف بيهودية الدولة والتخلي عن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة. ضمن هذا السياق تابع نتنياهو بأن «رفض الفلسطينيين الاعتراف دولة بيهودية هو جذر الصراع، لا المستوطَنات في الضفة الغربية».
من جهته، عبر رئيس الحكومة البريطانية، ديفيد كاميرون عن دعمه للاعتراف بإسرائيل دولة يهودية وللمساعي التي يبذلها وزير الخارجية الأميركي جون كيري. وأعلن كاميرون أنه يدعم إيقاف البناء في المستوطنات في الضفة الغربية، مثنىاً على نظيره الإسرائيلي لاستعداده لإطلاق سراح أسرى فلسطينيين. أما في ما يتعلق بمقاطعة إسرائيل، فأكد كاميرون أن «بريطانيا تعارض مقاطعة إسرائيل، سواء أكانت مقاطعة نقابات عمال أم جامعات تحاول إيقاف التعاون الأكاديمي». وشدد كاميرون على أن «إسرائيل هي موطن الشعب اليهودي ولن نوافق على إلحاق الأذى بها، معتبراً أن نزع الشرعية عن إسرائيل هو أمر فظيع، وسنقوم بإفشاله»، مضيفاً: «دعوني أقل لكم إنّ ثقتي بإسرائيل غير قابلة لأيّ شك، وهي راسخة كالصخر. سأقف دائماً إلى جانب إسرائيل وإلى جانب حقّها في الدفاع عن نفسها».