ما حققته المقاومة الفلسطينية، يوم أمس، إنجاز بالغ الأثر على المستوى الفلسطيني، وتداعياته لا شك في أنها ستطاول المنطقة ككل. عملية نوعية مدروسة بعناية وذات رسالة واضحة جاءت رداً على عدوان متواصل أوقع خلال الأيام الماضية 15 شهيداً، ثلاثة منهم سقطوا أول من أمس.
العملية عملت ميزتين أساسيتين: الأولى كثافة الصليات الصاروخية، والثانية منطقة الاستهداف التي بقيت ضمن غلاف غزة، أي المنطقة الملاصقة للقطاع. رسالة قوية بسقف محدود. قوة الرسالة بالـ 170 صاروخاً، وهو البعد الردعي فيها. أما السقف المحدود، فيقول بعدم رغبة المقاومة في الانجرار إلى حرب كبرى، إلا إذا ما فُرضت عليها.
بدا واضحاً من خلال تعامل الاحتلال مع ما جرى أن قيادته فوجئت بمستوى رد الفعل ونوعه. في النهاية، ما قامت به إسرائيل، سواء تصفية مقاومي سرايا القدس قبل يومين أو باقي الاعتداءات من قتل واستيطان وانتهاك للمقدسات، يُعتبر بالنسبة إليها عملاً روتينياً لم تتوقف عنه يوماً. المقصود أنها لم تقم، من وجهة نظرها، بعملية نوعية، على غرار اغتيال شخصية استراتيجية، تبرر ردّ فعل كهذا. لم تكن، برأيها، أكثر من عملية إحباط لعمل عسكري كان يُعد للتنفيذ ضدها. «يبدو أن إطلاق الصواريخ جاء رداً على عمليات مكافحة الإرهاب التي قمنا بتنفيذها أمس (الثلاثاء)، ونحن سنواصل إحباط وضرب الذين يريدون إلحاق الأذى بنا». كان هذا تعقيب بنيامين نتنياهو.
أكثر من ذلك. يبدو واضحاً أن الخطأ في تقدير الموقف على مستوى قيادتها تجاوز بكثير البعد العملياتي. كانت ـ لا شك ـ تُقدّر أن المقاومة الفلسطينية ستتحمل الاعتداءات المتواصلة من دون أن تأتي بأي رد فعل، بفعل الأزمات العربية التي تشغل كل دول المنطقة عن القضية المركزية. وهي أخطأت في تقدير تأثير عداء الحكم المصري الحالي لحركة «حماس» على قدرات المقاومة وسلوكها. ألم يكن عاموس جلعاد من قال إن السلطات المصرية أغلقت 95 في المئة من الأنفاق، وهو ما لم يحصل في عهد حسني مبارك؟
«إطلاق وابل الصواريخ على إسرائيل يُعَدّ خرقاً لقواعد اللعبة وانتهاكاً صارخاً وخطيراً للتفاهمات الموجودة مع حركة حماس في القطاع، والجيش الإسرائيلي حالياً ينظر في طبيعة الرد»، لسان حال «مسؤول أمني رفيع»، كان كريماً كفاية للاعتراف بفشل منظومة «القبة الحديدية» التي لم تنجح إلا في اعتراض ثلاثة صواريخ من أصل 170.
استعادة سريعة للحراك الإسرائيلي خلال الأشهر الماضية يكشف بجلاء كم سعت الدولة العبرية إلى الاستفادة من تداعيات ما يُعرف بالربيع العربي وانشغال دول المنطقة بمصائبها الداخلية لتصفية القضية الفلسطينية، عبر العمل، بمعية «الراعي» الأميركي إلى محاولة فرض شروط للحل لم تكن لتخطر على بال أي من استراتيجييها في أوج ازدهارها.
اللافت أن الضربة الفلسطينية، من حيث توقيتها، تزامنت مع بلوغ الرهان على فشل مفاوضات التسوية ذروته خلال اليومين الماضيين، بدليل تصريحات بنيامين نتنياهو ومحمود عباس. توقيت يعطي، في بعده السياسي، معنىً واقعياً لاسم العملية «كسر الصمت» العربي وحتى الفلسطيني على العدوان الإسرائيلي المتواصل. سيكون من المثير سماع نبرة صوت جون كيري خلال تعليقه على التطورات الميدانية في القطاع، التي تأتي قبل أيام من زيارة رئيسه باراك أوباما للسعودية، وفي خلال وجود رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون في الدولة العبرية.
وعليه تكون سرايا القدس قد أفلحت في إيصال رسالة سُمع دويها في تل أبيب، عنوانها: إلى هنا وكفى. محاولة لفرض توازن ردع يضع الاحتلال أمام خيارات جد محدودة. بل ليس أمامه سوى خيار واحد: توجيه ضربة تكسر التوازن الذي يحاول الفلسطينيون فرضه. الغارات التي نفذت على رفح وبيت لاهيا ليلاً خير مؤشر. ما سرّبه الإعلام الإسرائيلي ليل أمس يعزز هذه الفرضية: جلسة تقدير وضع برئاسة نائب رئيس الأركان غادي ايزنكوت انتهت بطلب تنفيذ ضربات واسعة النطاق ضد حركة الجهاد الإسلامي. وبحسب القناة العاشرة العبرية، «أوكل إلى سلاح الجو تنفيذ تلك الضربات بالتنسيق مع شعبة الاستخبارات، إلا أن الأحوال الجوية السيئة تعرقل ذلك كما هو مقرر، الأمر الذي يستعاض عنه بالقصف المدفعي ﻷهداف مختارة من قبل الاستخبارات».
هذا في الأسباب والملابسات والتأثيرات الداخلية الفلسطينية. لكن عملية «السرايا»، لا شك، ستصدح ارتداداتها في الجولان ولبنان. مؤشر يفهمه الإسرائيليون جيداً. العاجز عن فرض معادلات على شعب محاصر، منهك، مغلوب على أمره، عن أضعف حلقات محور المقاومة، لن يستطيع أن يتفرعن على عمقها القومي ولا الإسلامي.
وكانت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، قد أعلنت في بيان مقتضب أنها «ترد على العدوان (الثلاثاء) برشقات من الصواريخ». وأضافت أنها «ستوسع نطاق الرد في حال استمرار العدوان الصهيوني وأنها جاهزة لتقديم التضحيات في سبيل الله مهما كلف ذلك من ثمن».
وأعلن المتحدث باسم «الجهاد» في غزة داود شهاب أن «الجهاد لم يكن معنياً بالتصعيد، لكن إسرائيل ارتكبت انتهاكات كبيرة... إلى حين وصلت هذه الانتهاكات إلى مستوى تنصل إسرائيل من البند الذي يلزمها بعدم العودة إلى سياسة الاغتيالات». وأضاف: «كان يجب أن تصل رسالة مفادها أن إسرائيل إذا ما استمرت بسياسية الاغتيالات، فإنها ستقابل برد فلسطيني قوي»، معتبراً أن إسرائيل «هي من تقوض التهدئة الآن».
أما حكومة إسماعيل هنية، فحمّلت إسرائيل مسؤولية «التصعيد» في غزة، محذرة من «تداعيات» هذا الأمر.
وقال المتحدث باسمها، إيهاب الغصين، في بيان، إن «الفصائل الفلسطينية فصائل حكيمة وتبحث عن مصلحة الشعب الفلسطيني وتنطلق في قراراتها من هذا المنطلق وترى أن التهدئة مصلحة والاحتلال يقوم باختراقها».
وطالبت «حماس»، في بيان، بـ«وقف هذه التهديدات الإسرائيلية ووقف أي عدوان على قطاع غزة». كذلك طالبت «المقاومة الفلسطينية والأذرع العسكرية بإدارة الميدان بحكمة ووعي وفهم واقتدار وبما يضمن الحفاظ على دماء أهلنا ومصالح شعبنا».