تناقص، في العام الماضي، ضرب أهداف تتبع تنظيم «القاعدة» في اليمن من قِبَل الولايات المتحدة. ففيما كانت ذروة التصعيد الأميركي عام 2017 بـ131 غارة جوية، انخفضت عام 2018 إلى 36 ضربة، لتنحسر عام 2019 إلى بضع عمليات فقط. وقد نجحت واشنطن في تصفية معظم القيادات التاريخية للتنظيم في اليمن، وكذلك قيادات الصفّين الأوّل والثاني في السنوات الأخيرة. أمس، أصدر البيت الأبيض بياناً أعلن فيه أن «قوات أميركية أجرت، بتوجيهات من الرئيس دونالد ترامب، عملية لمكافحة الإرهاب في اليمن، أسفرت عن القضاء على زعيم القاعدة في اليمن قاسم الريمي»، من دون تحديد تاريخ العملية.
(أ ف ب )

واعتبر البيان أن مقتل الريمي «يزيد من تدهور تنظيم القاعدة في اليمن على نحو خاص، والتنظيم العالمي على وجه العموم، كما تقترب واشنطن من القضاء على التهديدات التي تشكلها هذه الجماعات الإرهابية للأمن القومي». وجاء فيه: «الولايات المتحدة وحلفاؤها ومصالحهما أكثر أماناً الآن بعد وفاة الريمي»، مع تهديد بأنه «سوف يتمّ تعقب الإرهابيين الذين يسعون إلى إلحاق الأذى بأميركا، ويتم القضاء عليهم».
ولد قاسم عبده محمد أبكر، أو قاسم الريمي، الملقّب بـ«أبو هريرة الصنعاني»، في 5 حزيران/ يونيو 1978 في اليمن. ومنتصف 2015، خَلَف القياديَ العسكري في تنظيم «قاعدة الجهاد في جزيرة العرب» ناصر الوحيشي (الذي قتل أيضاً بغارة أميركية)، على رأس هذا التنظيم. انضمّ الريمي إلى التنظيم في فترة مبكرة من حياته، بعدما اختفى مع أهله وأقاربه من محافظة ريمة اليمنية، وكان في الـ15 من عمره، وتمكّن من إحياء تنظيم «القاعدة» في اليمن بعد عودته من أفغانستان. مطلع شباط / فبراير الجاري، كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية أن الولايات المتحدة نفّذت غارة جوية على الريمي بعد أشهر من تعقّبه من الجوّ وجمع ومتابعة معلومات استخباراتية. ونقلت الصحيفة حينها عن ثلاثة مسؤولين أميركيين، حاليين وسابقين، قولهم إن الريمي قُتل بغارة جوية شنتها طائرة أميركية في كانون الثاني/ يناير الماضي، وهو ما يعزز الشكوك في التوقيت السياسي والانتخابي لإعلان ترامب. يُذكر أن تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» تبنّى مطلع كانون الأول/ ديسمبر عام 2019 إطلاق نار في قاعدة عسكرية أميركية في بينساكولا بفلوريدا خلّف ثلاثة قتلى من عناصر «المارينز». وقد نفّذ الهجوم الضابط السعودي المتدرّب في سلاح الطيران محمد الشمراني. وذكرت مواقع «جهادية» أن بيان «القاعدة في جزيرة العرب» صدر بصوت قائده قاسم الريمي.
لا يشبه التنظيم في اليمن أيّاً من فروع «القاعدة» في العالم


وبالعودة إلى التنظيم، فإن «قاعدة الجهاد في جزيرة العرب» لا يشبه أياً من فروع تنظيم «القاعدة» في العالم، إذ تغلب على التنظيم الكثيرُ من العادات المحلية والتقاليد القبلية اليمنية، وتتداخل الأبعاد المحلية مع الأبعاد السياسية. وغالباً ما تُتّهم الجهات السياسية اليمنية، وكذلك الجهات الخارجية، ولا سيما الولايات المتحدة والسعودية والإمارات، بتوظيف التنظيم بهدف تبرير التدخّل في اليمن أو الانطلاق منه إلى دول أخرى. في الجانب المحلّي، يتّهم الطرفان البارزان في «التحالف»، أي ما يسمى «الشرعية» و«المجلس الانتقالي الجنوبي»، بعضهما البعض بالاستفادة من التنظيم وتوظيف دمويته وعملياته العسكرية والأمنية خدمة لنفوذه وتوسّعه على حساب الطرف الآخر. اتهامات الاستثمار بالإرهاب مشهد يتكرّر دائماً في دورات العنف الكثيرة بين الأطراف المحلية الملتحقة بـ«التحالف». على سبيل المثال لا الحصر: إثر معارك عدن منتصف العام الماضي احتفل مسؤولو «الشرعية» بالسيطرة على أحد المواقع التابعة لـ«الانتقالي» في أبين واعتبروه نصراً لهم، بينما كان كلّ من «القاعدة» و«داعش» يتبنيان المسؤولية عن الهجوم. أما أقوى الاتهامات بالتورّط في الإرهاب ودعم «القاعدة»، فهي تلك الموجهة إلى لحزب «التجمع اليمني للإصلاح»، إذ ترتبط قياداته السياسية والدينية مع مسؤولي «القاعدة» بالكثير من المساحات المشتركة في الجوانب الميدانية والسياسية والفكرية. ومن أبرز القيادات العسكرية والسياسية الذين تلصق بهم بشكل متكرّر تهمة الاستثمار بالارهاب: نائب رئيس الجمهورية الجنرال علي محسن الأحمر. وتفيد تقارير بأن الأحمر يوظّف علاقاته مع «القاعدة» لمصلحة النظام السعودي. والشيء ذاته ينطبق على الداعية البارز وأحد مؤسسي حزب «الإصلاح» عبد المجيد الزنداني، الذي فرّ إلى السعودية بداية الحرب على اليمن ودعم عملية «عاصفة الحزم» بشكل علني. إلا أن ضغوطاً أميركية مورست على الرياض بسبب شكوك حول قربه من «القاعدة»، فاضطرت المملكة إلى تهميشه، ليتطوّر الأمر في ما بعد إلى وضعه قيد الإقامة الجبرية.
أما دلائل التوظيف الإقليمي للتنظيم، ولا سيما الخليجي، فهي كثيرة، وقد أقرّ القادة العسكريون الإماراتيون بعد دخولهم عدن صيف عام 2015 بأن قواتهم استوعبت، في بعض الحالات، مقاتلين من «القاعدة»، بهدف تعزيز حملتهم ضد الجيش اليمني و«اللجان الشعبية»، فيما أشاروا أيضاً إلى أن مقاتلي «القاعدة» مستعدّون للتعاون مع التحالف. ويُدرج عادل عبده فارع، المعروف بـ«أبو العباس»، على قائمة الإرهاب الأميركية، وهو أحد أبرز رجال الإمارات في محافظة تعز (جنوب غرب)، حيث أوكلت إليه قيادة عدد من جبهات الحرب الساخنة، وتمّ تزويده بالمدرعات العسكرية والدوريات والأسلحة. وبرّرت وزارة الخزانة الأميركية إدراج «أبو العباس» على القائمة بأنه يعمل «لصالح ونيابة عن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، وكذلك «لتقديمه المساعدة أو الرعاية أو تقديم الدعم المالي أو التكنولوجي لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وداعش».
وعلى رغم أن واشنطن تذكّر باستمرار بقوائم الإرهاب اليمنية، ومن ضمنها «أبو العباس»، إلا أن ذلك لم يدفع أبو ظبي إلى مراجعة العلاقة مع الرجل، بل استمرّت في تزويده بالدعم العسكري والمالي. وهو الأمر الذي يثير شكوكاً كبيرة حول جدّية «إصدارات الإرهاب» الأميركية حول اليمن، ولا سيما أن واشنطن وأبو ظبي ترتبطان بإدارة أمنية مشتركة لـ«مكافحة الإرهاب» في اليمن، وقد أكدت السلطات الأميركية في أكثر من مرة أن عملياتها على الأراضي اليمنية تتمّ بالتنسيق مع أبو ظبي.