إسطنبول | هدّد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الرئيس السوري بشار الأسد «ومَن خلفه»، أي روسيا وإيران، قائلاً: «لولا الأولى جواً، والثانية برّاً، لسقط النظام». أمهلهم جميعاً، وكحدّ أقصى، حتى نهاية الشهر الجاري كي تنسحب القوات السورية إلى حدود ما قبل «اتفاق سوتشي»، أي خلف نقاط المراقبة التركية الـ 12 في جوار إدلب. كما هدّد بـ«الردّ عسكرياً، براً وجواً، على أيّ عمل عسكري سوري يستهدف الجيش التركي وحلفاءه شرق الفرات وغربه». وأكد أن «تركيا لن تنسحب من سوريا إلا بعد إسقاط النظام وإقامة نظام ديموقراطي يمثّل كل الشعب السوري وبعد القضاء على الإرهابيين» (يقصد بهم «وحدات حماية الشعب» الكردية السورية)، محاولاً دغدغة مشاعر هؤلاء بإشارته إلى أن «الأسد لا يحبّهم ورفض أن يمنحهم الجنسية السورية»، ملمحاً بذلك إلى الوضع الكردي ما قبل 2011. ولم يهمل تأكيد أهمية العلاقات الروسية ــــ التركية، بإعلانه أنه «بحث تفاصيلها مع الرئيس (الروسي فلاديمير) بوتين وسيلتقي به خلال أيام».مواقف إردوغان تزامنت مع المعلومات التي تتحدّث عن مساعيه إلى إقناع بوتين بإعلان إدلب «منطقة آمنة»، بدوريات روسية ــــ تركية، كما هي الحال في شرق الفرات، وذلك في ظلّ أنباء عن تعزيز الجيش التركي قواته في المنطقة المجاورة لإدلب شمالاً في عفرين، وشرقاً في أعزاز، وغرباً في أرياف حلب. والهدف مواجهة كلّ الاحتمالات بعدما استنفر الجيش التركي كل قواته البرية والجوية والبحرية في المنطقة التي يوجد فيها عشرات الآلاف من مسلّحي «النصرة» وحليفاتها وفصائل ما يسمى «الجيش الوطني السوري» الذي تقوم تركيا بتمويله وتسليحه وتغطية كلّ احتياجاته واحتياجات عناصره مع عائلاتهم الموجودة في المنطقة الممتدّة من عفرين إلى تل أبيض شرق الفرات، بمسافة 600 كلم من الحدود السورية مع تركيا. واتهم إردوغان، موسكو وواشنطن معاً، بعدم الالتزام بتعهّداتهما شرق الفرات، كما اتهم موسكو ودمشق بعدم الالتزام بتعهّداتهما في تفاهمات «أستانا» و«اتفاقية سوتشي».
تنبئ هذه المعطيات بنوع جديد من التوتر، الثنائي والثلاثي، في الأيام القليلة المقبلة، في حال استمرار التهديدات التركية وترجمتها على الواقع في المناطق التي تشهد عمليات للجيش السوري، وخصوصاً بالقرب من نقاط المراقبة العسكرية التركية. فمع محاولات إردوغان إقناع بوتين بهذا الموضوع، حسم تصميمُ الجيش السوري مصيرَ سراقب، وربما بعد ذلك أريحا لتضييق الحصار على إدلب المدينة، فيما لا تخفي أوساط سياسية وعسكرية تخوّفها من احتمالات المواجهة الساخنة مع القوات السورية المدعومة جواً من الطائرات الروسية، ولا سيما إذا حاول الجيش التركي فكّ الحصار عن نقاط المراقبة الثلاث المحاصرة أو تعزيز الوحدات الموجودة في نقطتين أخريين يقترب منهما الجيش السوري في جوار سراقب وشمالها.
تنبئ المعطيات بنوع جديد من التوتر، الثنائي والثلاثي، في الأيام القليلة المقبلة


يبدو واضحاً أن كلّ هذه المعطيات قد جعلت من الرهانات «حرب أعصاب» بين الأطراف الثلاثة، روسيا وسوريا وتركيا، مع متابعة عسكرية وسياسية إيرانية. وترى أوساط المعارضة التركية في مواقف الرئيس عنصرين أساسيين، أهمّهما: عقدته الشخصية تجاه الرئيس السوري، وهو ما كان واضحاً في خطابه أمس عندما استهدفه شخصياً وبعبارات عنيفة تعكس مبرّراته للتدخل في سوريا منذ بداية الأزمة. كما عدّ إردوغان سوريا ضمن استراتيجيات الدولة التركية التي كانت ترى عبر «الميثاق الملّي» لعام 1920 شمال سوريا والعراق جزءاً من الجغرافيا التركية، التي اعتبرها إردوغان امتداداً للدولة العثمانية، وهو ما يفسّر اهتمامه بليبيا وشمال أفريقيا والبلقان والقوقاز. لا تهمل الأوساط المذكورة حسابات إردوغان العقائدية واهتماماته منذ بداية «الربيع العربي» بكلّ الإسلاميين في العالم و«الإخوان المسلمين» منهم بالذات. وتلفت هذه الأوساط إلى أنه يتصرّف كأنه زعيمهم السياسي والتاريخي والعقائدي، ولا يريد لأحد أن يقول عنه إنه طعن الإسلاميين وغدر بهم في إدلب، مهما كانت صفة هؤلاء الإسلاميين، الذين يقولون إنهم «يقاتلون في سبيل الله وضدّ العلويين والشيعة وبقايا الشيوعية». مع ذلك، لا تستبعد بعض الأوساط رضوخ إردوغان في نهاية المطاف، إذا ما توصّل إلى اقتناع بأن بوتين جادّ في موقفه المؤيد للأسد، وأن دمشق مصمّمة على استرجاع إدلب مهما كلّفها ذلك من تحدّيات إضافية على باقي الجبهات مع تركيا أو الولايات المتحدة أو أيّ أطراف أخرى، وهي وضعت العديد من الحسابات لمواجهة كلّ الاحتمالات في التوتر الثلاثي ونتائجه على الواقع الأمني في إدلب، حيث الآلاف من الإرهابيين الأجانب.
بالموازاة، فإن إسرائيل، والولايات المتحدة، ودولاً أوروبية، والقوى الكردية في شرق الفرات، بل وبعض دول الخليج، لن تتردّد في «إزعاج تركيا» بسبب سياسات إردوغان ومواقفه تجاه هذه الدول والأطراف، وأهمّها واشنطن التي هاجمها على خلفية إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، «صفقة القرن»، ما دفعها إلى الردّ سريعاً بتعليق التنسيق والتعاون الاستخباري المشترك مع تركيا في شرق الفرات. خطوة تسري توقّعات بأن تعقبها خطوات مشابهة، على رغم مناشدة أوساط مقرّبة من إردوغان الأميركيين و«الأطلسي» والاتحاد الأوروبي مساعدة «الحليفة تركيا» في خلافاتها مع روسيا في سوريا وإدلب خاصة.
لا يدري أحد ما إذا كان الروس سيقنعون إردوغان بقبول الواقع في إدلب والشمال السوري برمّته، وبالتالي ثمّة سؤال هنا: لو كانت أنقرة قد قامت بتفعيل صواريخ «أس 400» نهاية العام الماضي، فهل، وكيف، ستستخدم هذه الصواريخ ضدّ الطائرات الروسية التي ستعترض الطائرات التركية في حال أيّ مواجهة ساخنة مع الجيش السوري المدعوم من صديق إردوغان: بوتين؟