لا يمكن لأيّ قراءة سياسية أن تنظر إلى لقاء البرهان - نتنياهو على أنه حدث عابر. ذلك أن اللقاء تتويجٌ لمسار وراثة الخرطوم من قِبَل معسكر التطبيع الذي سعى منذ اللحظة الأولى إلى وأد الثورة السودانية ومنع تشكّل قيادة وطنية لها. قد يراهن البعض على ردّ فعل معاكس لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك، الذي عُقدت عليه آمال كبيرة في الداخل، لكن يكفي النظر إلى التمهيد الذي عمل عليه وزراؤه منذ اليوم الأول لتأليف حكومته، وعلى رأسهم وزيرة الخارجية التي نفت أمس علمها بخطوة رئيس «مجلس السيادة»، وأيضاً وزير الأوقاف. فكلاهما مهّد لتطبيع العلاقات مع العدو الإسرائيلي، أو على الأقلّ جعلها «وجهة نظر» تحتمل الأخذ والرد. إذاً، تقف «ثورة ديسمبر» على أعتاب اختبار قد يكون الأصعب في تاريخها، خاصة مع تصاعد أصوات تنادي بتمرير «التطبيع»، ولو بالحدّ الأدنى، للحصول على رضى واشنطن ورفع البلد من «قائمة الإرهاب». ومع أن تجربتَي معمر القذافي ومحمد حسني مبارك، ووصفات «النقد الدولي» و«البنك الدولي»، ليست ببعيدة، فإن العبرة قد تحتاج إلى دفع ثمن سوداني بحت مقابلها، كي يتيقّن حكّام الخرطوم أن الأميركيين يذهبون بهم كما غيرهم عطاشى إلى البحر، ويعودون بهم ظمآنين أكثر.