القاهرة | سريعاً وبصورة حاسمة، تسير الحكومة المصرية في اتخاذ إجراءات قاسية لحلّ أزمة الصحف القومية المديونة بمليارات الجنيهات لمصلحة البنوك، في خطوة تأخرت كثيراً بسبب التنازع على الصلاحيات بين المسؤولين. لكن رئيس الحكومة، مصطفى مدبولي، استجاب لتصوّرات وزير الدولة للإعلام، أسامة هيكل، الذي جرى تعيينه في منصبه قبل أسابيع ضمن التعديلات الأخيرة. خلال اجتماعٍ أمس في مقرّ مجلس الوزراء، بحضور رؤساء مجالس إدارات المؤسسات القومية المختلفة، اتُّخذت قرارات مثيرة للجدل، في مقدّمتها وقف التعيينات والتعاقدات داخل هذه المؤسسات، وربط التمديد لِمَن هم فوق الستين عاماً ولا سيما الكتّاب بموافقة من «المجلس الأعلى للصحافة» الذي تتبع له الصحف القومية، علماً بأن منع التعاقدات يمسّ مئات الصحافيين الذين كانوا في انتظار دورهم في التثبيت، حتى إن منهم مَن قضى أكثر من خمس سنوات في المكان الذي يعمل فيه.المؤسسات القومية المختلفة تفاوتت في مسألة التعيينات خلال السنوات الماضية. فبينما أوقف مجلس إدارة «الأهرام» التوظيف منذ ستّ سنوات، واصلت مؤسسات أخرى تعيين أعداد كبيرة من الصحافيين، في مقدمتهم: «الأخبار»، «دار الهلال»، «روز اليوسف». وباستثناء «الأخبار المصرية»، تعاني باقي المؤسسات من زيادة الصحافيين فيها على نحو مبالَغ فيه، في وقت لم تتحسّن فيه منتجاتها. ولذلك، أبلغ مدبولي رؤساء مجالس الصحف القومية القرار، مشدداً على ضرورة تنفيذه فوراً، مدافعاً بأن هذا التوجّه جاء بعدما طلبت الحكومة ترشيد الإنفاق والتوجه نحو حوكمته، وهو ما لم تلتزمه الصحف، ما دعا إلى التدخل بطريقة أخرى.
وبينما عبّر رئيس الحكومة عن ضرورة عمل المؤسسات الصحافية «لتواكب الثورة الرقمية في ظلّ عجز مختلف المؤسسات القومية عن توفير بوابات إلكترونية (مواقع) لائقة بها، وكذلك غياب تأثيرهم جميعاً بلا استثناء عن مواقع التواصل الاجتماعي»، فإنه كلّف مساعد وزير التخطيط ومجالس إدارة الصحف القومية سرعة حصر الأصول التي تمتلكها المؤسسات لحلّ مشكلات الديون، وخاصة أن التوجّه الحكومي هو الاستغناء عن أصول كثيرة وبيعها، ومنها مبانٍ خاصة بالصحف وأراضٍ تابعة لها في مدن عدة. وتعوّل الدولة على هذا الإجراء لتسديد الجزء الأكبر من الديون التي يمكن تسوية جزء آخر منها وإسقاطها تباعاً بعد مفاوضات مع بنك «الاستثمار القومي» الذي يمتلك حصة رئيسية في فوائد الديون على الصحف.
إلى جانب القرارين السابقين (وقف التوظيف وسداد الديون)، تنوي الدولة زيادة أسعار الصحف مجدّداً، مع تقليص الإصدارات الورقية وخاصة لدى المؤسسات التي لا تبيع أكثر من خمسة آلاف نسخة، وهي تتجاوز العشرين. يذكر أن مؤسسات عدة فقدت مصادر تمويل رئيسية مع القرار الحكومي بتقليص الاشتراكات في الصحف، فضلاً عن تأثر المبيعات سلباً جراء الارتفاع المستمر في الأسعار، علماً بأن المصادر الرئيسية لإعلانات الصحف حالياً هي البنوك الحكومية و«شركة مصر للطيران» التي قلّصت إعلاناتها أيضاً.
وعلى رغم أنه يتوقع أن تؤدي هذه القرارات إلى احتجاجات في المؤسسات، أكد مدبولي ضمناً أن الدولة مستعدة لتحمّل نتائج القرارات الجديدة، مع الأخذ في الاعتبار «إمكانية دراسة أوضاع بعض الحالات»، علماً بأن هناك برنامجاً موازياً لإعادة الهيكلة والإصلاح المالي والإداري للمؤسسات، ولا سيما في قضايا البدلات وتشغيل السيارات وما يشكّل استنزافاً للموارد. أيضاً، ترغب وزارة المال في وقف عدد من المؤسسات ودمج أخرى، منها «دار المعارف»، مع وضع قواعد جديدة لإدارة المؤسسات المختلفة. هكذا، تريد الحكومة ضمان التراجع السريع في الإنفاق خلال العام الجاري في مختلف المؤسسات القومية، مع ضرورة استثمار جميع الأصول، وخاصة غير المستغلة منها أو التي يمكن الاستغناء عنها، على أن تكون المهلة المعطاة لكلّ ذلك ستة أشهر فقط لتسوية هذه المشكلات المادية قبل المزيد من الإجراءات.