الخرطوم | من داخل مكتب رئيس «المجلس السيادي» السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان، في القصر الرئاسي، شكّل رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، وأعضاء المجلس وقوى «الحرية والتغيير» غرفة لمتابعة الاشتباك مع عناصر «هيئة العمليات» التابعة لجهاز الأمن والمخابرات العامة، والذين سيطروا لساعات على مقارّ تتبع الجهاز في عدد من أحياء العاصمة الخرطوم. ونجحت قوة مشتركة من الجيش و«الدعم السريع»، في ساعة متأخرة من مساء أمس، في السيطرة على تمرد عناصر الهيئة المعروف أنها وحدة قتالية وتمتلك أسلحة متوسطة وصغيرة. كانت ليلة «التمرد» مخيفة لسكان العاصمة، إذ سُمع دويّ الرصاص والمدفعية لساعات، قبل أن يتمكن الجيش من السيطرة على مباني جهاز الأمن في أحياء كافوري وسوبا، ومن حسم الوضع في ضاحية الرياض عبيد ختم شرقي الخرطوم (على مقربة من مطار الخرطوم) باستخدام الأسلحة الثقيلة، ما أسفر عن مقتل مواطنَين من أسرة واحدة جراء سقوط قذيفة في منزلهما. وقالت «لجنة الأطباء المركزية» إن هناك اثنين آخرين قتلا وهما يتبعان القوات المسلحة، إلى جانب عدد من الإصابات. ووفقاً لوزير الدفاع، الفريق أول جمال الدين عمر، فإن لجنة من القوات المسلحة و«الدعم السريع» حاولت «التفاوض سلمياً مع المتفلّتين» لكنها لم تنجح، ولأن «أفراد هيئة العمليات أطلقوا النار عشوائياً اضطرت الجهات المختصة إلى إيقاف حركة الطيران». وأشار عمر إلى أنه تمّ تخيير أعضاء «هيئة العمليات» بعد حلّها، وفقاً للمادة 35 من الوثيقة الدستورية التي تقضي بإعادة هيكلة القوات، «بين دمجهم في الجيش أو الدعم السريع أو تسريحهم... جاء خيار غالبيتهم التسريح وصرف مكافآت نهاية الخدمة» التي اعترضوا على صغرها.
هدّد العناصر المتمردون بفضح دور «الدعم السريع» في المجازر


من جهته، لفت البرهان، بعد انتهاء الاشتباكات، إلى أن تجمهر المواطنين أدى إلى تأخر اقتحام مقارّ الأمن في ضاحية الرياض، مستدركاً: «رسمنا جدولاً للاقتحام ونفذنا الخطة بأقلّ الخسائر». كما أعلن، في مقابلة على التلفزيون الرسمي، أن «مقارّ هيئة العمليات ستوضع تحت إمرة القوات المسلحة التي ستعمل على إخراج القوات من المناطق السكنية... مستقبلاً، الأمن ستكون مهمته جمع المعلومات ولا علاقة له بالسلاح». كما كشف عن سيطرتهم على 45 مدرعة عسكرية في وقت لا تمتلك فيه القوات المسلحة ذلك العدد، كما قال. وأكد أخيراً أن القوات المسلحة «في خندق واحد مع الشعب، والانقلاب العسكري مرفوض... القوات المسلحة ليس لديها أطماع في السلطة»، مشيراً إلى أن التحقيقات ستطاول جميع المتورطين، إضافة إلى «تسريح ثمانية آلاف من عناصر هيئة العمليات من جملة 12 ألفاً».
أما الأكثر إثارة للانتباه، فهو سرعة اتهام قائد «الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، رئيس جهاز «الأمن والمخابرات» الأسبق صلاح قوش، بالتخطيط للتمرّد، علماً بأن تكوين «هيئة العمليات» يُنسب إلى قوش. ووفق مصادر أمنية، فإن السبب في هجوم دقلو هو تهديد عناصر من الهيئة «الدعم السريع» بالكشف عن فيديوات توضح الجهة التي فضّت الاعتصامات وشاركت في قتل المتظاهرين. ولذلك، ألقى قائدها، «حميدتي»، باللائمة على مدير جهاز المخابرات الحالي، أبو بكر دمبلاب، بسبب «تراخيه في جمع سلاح تلك القوات وإغلاق مقارّها منذ إعلان حلّها قبل ستة أشهر». وجرّاء هذا، تقدّم دمبلاب باستقالة شفهية إلى البرهان، الذي طلب منه تقديمها كتابة.
وفق التقديرات، فإن أقوى المرشحين لخلافة دمبلاب هو اللواء عثمان سيد أحمد، الشهير بـ«عثمان إنجليز». ويقول أحد الذين عملوا تحت قيادته في جنوب النيل الأزرق، العقيد الركن صلاح الكودة، لـ«الأخبار»، إن اللواء عثمان «رجل مقاتل يعشق العسكرية، ويتمتع بكاريزما قوية ولا علاقة له بالإسلاميين... في حال آلت رئاسة المخابرات إليه، سيعمل على تصفية جميع الإسلاميين». وكان الكودة قد اتهم الإسلاميين من النظام السابق بإحداث «البلبلة الأخيرة حتى تكون البلاد مهيأة لانقلاب يطيح حكومة الحرية والتغيير... الإسلاميون يدركون عدم رغبة الشارع فيهم، لكنهم يسعون بكلّ قوة إلى إطاحة حكومة حمدوك، وذلك بخلق خلل أمني يسمح بتدخل ضباط وطنيين بداعي إعادة الأمن المفقود».