يُحاول تبون، من خلال الملامح التي أعطاها للدستور الجديد، أن يتخلّص من تركة الرئيس السابق
في المقابل، لم تعبأ الرئاسة كثيراً بهذه الانتقادات، وبدا من خلال تصورّها للتعديل الدستوري أنها لا ترى تعارضاً بين إنشاء لجنة خبراء وبين إطلاق مشاورات سياسية في الوقت نفسه. وفي هذا الإطار، بدأ تبون، بالفعل، استقبال شخصيات وطنية، أبرزها حتى الآن مولود حمروش رئيس الحكومة في فترة التسعينيات، والذي يحظى بثقل كبير سواء داخل النظام أم في المعارضة. كما استقبل تبون، عبد العزيز رحابي، مهندس ما يُعرف باتفاق «مازافران 2» الذي جمع أطياف المعارضة ودعا السلطة إلى ضرورة الذهاب إلى انتقال ديمقراطي متفاوَض عليه. وعبّر رحابي للرئيس عن قلقه من «فقدان الثقة بين الشعب والنظام السياسي بحكم التجارب السابقة»، وطالبه بـ«ضرورة السعي للتوصل إلى اتفاق وطني موسّع للخروج من الوضع الحالي، في ظلّ المخاطر الأمنية في جوار الجزائر». واتفقت العديد من الأحزاب السياسية مع رحابي على ضرورة اتخاذ إجراءات تهدئة، أبرزها «إطلاق سراح كلّ معتقلي الرأي، ورفع كلّ أشكال الوصاية عن الإعلام، والحدّ من التضييق على العمل الحزبي الممارَس ضدّ القوى السياسية التي تخالف سياسة السلطة». ومن الواضح أن السلطة الجديدة التقطت هذه النداءات، وسارعت إلى إطلاق عدد كبير من معتقلي الحراك الشعبي، ومن بينهم القائد الثوري ضدّ الاستعمار الفرنسي لخضر بورقعة، والجنرال المتقاعد حسين بن حديد، لكن لا تزال إلى الآن شخصيات معروفة في السجن، مثل السياسي كريم طابو، والناشطين فضيل بومالة وسمير بلعربي.
لكنْ من جانب آخر، ثمّة أحزاب سياسية ونشطاء في الحراك يرفضون تماماً فكرة الحوار مع تبون، ويعتبرون الأخير رئيساً جاء في انتخابات لم تكن محلّ إجماع من الجزائريين، ويطالبون كحلّ للأزمة السياسية بتنظيم مرحلة انتقالية. ويأتي في طليعة الرافضين تكتّل «البديل الديمقراطي» المُشكَّل من أحزاب يسارية، والذي يسعى من جهته إلى عقد ندوة خاصة به لاقتراح حلّ للأزمة بعيداً عن تدخل النظام. ولا يزال جزء من الجزائريين يتظاهرون كلّ يوم جمعة رفضاً لما يسمّونه بـ«الأمر الواقع» الذي فرضته انتخابات 12 كانون الأول/ ديسمبر الأخيرة. وتشكّل هذه الكتلة الرافضة عامل ضغط على السلطة الجديدة، التي تبدو مضطرة إلى تقديم تنازلات كثيرة في الدستور الجديد، من أجل تفادي عودة الحراك الشعبي إلى زخمه الأول.
ولا تشكّل الأزمة الداخلية مصدر الصداع الوحيد لتبون، وخصوصاً بعد التطورات الأخيرة في ليبيا التي تمتلك معها الجزائر حدوداً شاسعة بنحو ألف كيلومتر. وباتت الجزائر، في الأسبوع الأخير، محجّة دبلوماسية لمعظم الأطراف المتدخّلة في المستنقع الليبي؛ فقد زارها وزراء الخارجية المصري سامح شكري، والتركي جاويش أوغلو، والإيطالي لويجي ديمايو. كما زارتها وفود ليبية رفيعة يقودها فايز السراج الذي يقود حكومة «الوفاق» في طرابلس، وأيضاً مسؤولون في حكومة بنغازي التابعة للمشير المتقاعد خليفة حفتر. وحاولت الجزائر، بعد أن أصبح لها رئيس قادر على القيام بجهود دبلوماسية، أن تثني كلّ أطراف الصراع عن المواجهة العسكرية وتفضيل الحلّ السياسي. وقد أثمرت هذه الجهود، وفق بعض القراءات، عن المساعدة على الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلنه حفتر، وهو ما يمهّد لإمكانية الوصول إلى اتفاق سياسي، تسعى الجزائر لأن تكون طرفاً فاعلاً في تحقيقه.