بغداد | في خطوة تصعيدية خطيرة، أعلن رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني أمس، البدء بإجراءات تحويل قضاء حلبجة إلى محافظة، من دون الرجوع إلى الحكومة المركزية، مشيراً إلى أن القرار جاء بعد «عدم استجابة بغداد»، فيما أكد أن حلبجة تقع قانوناً ضمن صلاحيات حكومة الإقليم.
قرار البرزاني دفع ائتلاف دولة القانون للرد، معتبراً في بيان أن الزعيم الكردي «اتخذ دستوراً خاصاً، ونفض يديه من رئاستي الجمهورية والوزراء»، مؤكداً أن القرار «سيفسخ الدولة بدقائق»، فيما تساءل عمّا إذا كان البرزاني سيمول المحافظة الجديدة من موازنة الإقليم.
وبالعودة إلى أصل المشكلة، لا يزال قانون الموازنة العامة مطروحاً على رفوف البرلمان العراقي دون أي قراءة، نتيجة لمقاطعة الأكراد بسبب اعتراضهم على الصيغة المرسلة من الحكومة، وائتلاف «متحدون» بزعامة النجيفي احتجاجاً على العمليات العسكرية في محافظة الأنبار.
وقد بدا التحالف الكردستاني، وبالخصوص حزب البرزاني، مصراً هذه المرة على عدم إمرار الموازنة مهما كلّف الأمر، مستعيناً بالكتل الأخرى المناوئة لرئيس الوزراء، من أجل ليّ ذراع الأخير الباحث عن ولاية ثالثة بعد انتهاء الانتخابات التشريعية، لإجباره على الرضوخ للمطالب الكردية، بعد الفشل في انتزاعها من رئيس الحكومة المراوغ من وجهة نظرهم. فبحسب المحلل والصحافي في جريدة «هاولاتي» الكردية هاستيار قادر، فإن «البرزاني رئيس الإقليم، يرمي إلى تعطيل إقرار الموازنة إلى ما بعد الانتخابات، وهو الوقت المناسب لامتصاص زخم المالكي واستدراجه إلى فخ التوازنات، إذ إن الستار سيسدل في حينها على الانتخابات، وأن التحالفات السياسية لتشكيل الحكومة تكون قد بدأت، الأمر الذي سيضع الأكراد في موضع القوة، وبالتالي إجبار المالكي على القبول بأي تنازلات للبقاء في منصبه إلى دورة رئاسية أخرى».
لكن رياح الوضع الاقتصادي الضاغط لم تسر بما تشتهي سفن البرزاني، حيث يشير قادر، وهو رئيس القسم السياسي في الصحيفة الكردية المستقلة الواسعة الانتشار خلال حديثه لـ«الأخبار» إلى أن «عدم إقرار الموازنة يسبب أزمة اقتصادية كبرى، حيث إن موظفي الإقليم لم يتسلموا رواتبهم منذ ثلاثة أسابيع، والأمر مرشح لأكثر من ذلك، ما يزيد من رداءة الوضع المعيشي للسكان، وضغط الشارع الكردي على حكومة الإقليم، لكونه يراها هي المسؤولة عن كل ما يلحق به من ضرر، وأن ذلك سيسهم في خفض شعبية حكومة بارزاني وعزوفهم عن التصويت لمصلحته»، مؤكداً أن «ذلك يعدّ ورقة رابحة بيد رئيس الحكومة الاتحادية نوري المالكي، الذي سيستفيد من ضغط الشارع الكردي في إخضاع حكومة الإقليم».
تصاعد حدة الخلافات، وتصلّب الآراء بين الجانبين، أثارا مخاوف لدى بعض المراقبين بشأن إمكانية استغلال أربيل ملف المياه، وغلقها عن بغداد ومحافظات الوسط والجنوب، فضلاً عن إمكانية إثارة المطالبة بالاتحاد الكونفدرالي كبديل عن النظام الفدرالي المعمول به حالياً، وهو الأمر الذي نفاه النائب الكردي في البرلمان العراقي محمود عثمان، جملة وتفصيلاً، حيث يقول في حديثه لـ«الأخبار»، إنه «لا أصل لمثل هذه الموضوعات، وإن الازمة موجودة أصلاً، وهي بحاجة إلى حوار بين الجانبين للتوصل إلى حلول جذرية للمشكلة بحسب مواد الدستور، وإن كان هناك خلاف على الدستور، فإنه يصار إلى الاحتكام للمحكمة الاتحادية العليا».
لكن السياسي الكردي المخضرم، يستدرك قائلاً: «إلا أن المسألة معقدة بعض الشيء، بسبب التدخل الدولي في المسألة، وخصوصاً من قبل تركيا ودول أخرى في المنطقة، لذا من غير المتوقع إيجاد حلول جذرية فورية للمسألة».
من جهته، يقول النائب البارز في ائتلاف دولة القانون علي الشلاه: «لم نترك باباً للحوار إلا طرقناه، لكن الإخوة في الإقليم مصرون على عدم تصدير النفط المتفق عليه وفق الموازنة السابقة، لأنهم تعهدوا خلال العامين الأخيرين تصدير 400 ألف برميل يومياً، إلا أنهم اليوم يحاولون الانقلاب عليها»، متهماً حكومة الإقليم بالاستقواء بتركيا في مثل هذه القضايا.
ويتهم الشلاه أيضاً في حديثه مع «الأخبار»، رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي بالفشل في إدارة الجلسة الخاصة بمناقشة الموازنة، لأن لديه التزامات مع التحالف الكردستاني في دعم بقاء أخيه أثيل النجيفي محافظاً للموصل، ولذلك نحن ننتظر طرحه الموازنة لمناقشتها، أو إجباره على ذلك.
وبشأن قطع رواتب موظفي الإقليم وتأثير ذلك على الوضع المعيشي لهم، يبين النائب عن دولة القانون، قائلاً: «إن هناك مدخرات كبيرة إلى حد ما يمكنّها من إعطاء رواتب لأشهر وليس لشهر واحد فقط، لكنهم كما سمعت من بعض نوابهم، يرغبون بتعطيل الموازنة حتى حزيران المقبل من أجل الاستفادة من تشكيل الحكومة وفرض شروط دائمة عليها».
وتساءل علي الشلاه: «من أين تأتي هذه المدخرات، وهذه أمامنا موازنة الإقليم المرسلة، لا يذكرون فيها سوى 17 ونصف بالمئة التي تقدمها، أين هي واردات الإقليم الأخرى؟ أين أموال النفط المهرب التي وصلت إلى أفغانستان وإلى أذربيجان؟ أين واردات ابراهيم الخليل والمعابر الحدودية الأخرى؟ ولماذا يمنع ديوان الرقابة المالية من العمل في إقليم كردستان بشفافية كما يعمل في بغداد والمحافظات الأخرى؟ ولماذا البرلماني الكردي له الحق بمراقبة أداء الحكومة والمحافظات الأخرى، فيما ليس من حق البرلماني الآخر مراقبة إقليم كردستان؟»، مؤكداً «وجود أموال مُخفاة عن الحكومة الاتحادية، لم تظهرها بعد».