تزداد حدة المعارك في الجنوب السوري يوماً بعد يوم، بين الجيش السوري والقوات الأهلية الموالية له، وبين المسلحين التابعين لفصائل متشددة ومحلية، وخصوصاً في محافظة القنيطرة الجنوبية الغربية، المتاخمة لهضبة الجولان المحتلة.
ومع احتدام المعارك في المحافظة، تتسارع علانية التدخل الإسرائيلي المباشر في سيرها، مع تزايد حديث الدولة السورية عن دعم لوجستي ومعنوي ومعلوماتي إسرائيلي للمسلحين، وهو ما لا يخفيه المسلحون الذين أنشأوا مع جيش الاحتلال منظومة متكاملة ظهر منها إلى العلن شق علاج جرحاهم في المستشفيات الإسرائيلية. وتشير تقارير إسرائيلية إلى نية العدو إنشاء «جدار طيب» شبيه بذلك الذي أنشئ في لبنان منذ عام 1978، في تكرار لتجربة «جيش لحد».
ولا يخرج قصف المدفعية الإسرائيلية أمس، لموقعين تابعين للجيش السوري في بلدة الحميدية في القطاع الأوسط من القنيطرة، عن هذا السياق. إذ قصفت قوات الاحتلال من مواقعها داخل الجولان المحتل في «تلة السطح والخوين» مدرسة وجامع الحميدية، حيث يتمركز الجيش، و«موقع الحرية» القريب، ما أدى إلى إصابة 7 عسكريين و4 مدنيين، بحسب بيان للجيش السوري.
مصادر عسكرية مطّلعة على ميدان القنيطرة، أشارت لـ«الأخبار» إلى وجود «حالة تأهب كبيرة لدى جيش العدو في الأراضي المحتلة»، مؤكّدة أن «ردّ الجيش الإسرائيلي بقصف الحميدية جاء بعد أن استهدف الجيش السوري مجموعة من المسلحين حاولوا التسلل بمحاذاة الشريط الإسرائيلي الشائك في اتجاه القطاع الشمالي، محققاً بينهم إصابات مؤكّدة». ويلفت المصدر إلى أن «الموقعين المستهدفين استعادهما الجيش السوري من قبضة المسلحين قبل أشهر، وهما الآن يشلّان حركة المسلحين في اتجاه مدينة القنيطرة والقطاع الشمالي للمحافظة». ويشرح المصدر كيف «تقوم إسرائيل منذ فترة بتغيير مواقع الألغام، وحفر الخنادق، لمساعدة المسلحين على التنقل بعيداً عن عيون القوات السورية». ورداً على سؤال عن صحّة الأنباء التي أعلنها الإسرائيليون حول قيامهم «بإطلاق النار على عنصرين من حزب الله وإصابتهما أثناء زرعهما عبوة ناسفة قرب الحدود»، اكتفت مصادر أمنية مطلعة، بالقول إن «المقاومة ليست مهتمة بتأكيد أو نفي أي حديث إسرائيلي».
هذا التصعيد والاتهام الإسرائيلي المباشر لحزب الله بتنفيذ أعمال عسكرية في الجولان السوري هو الأول من نوعه. علماً بأن وسائل إعلام إسرائيلية رجحت الأسبوع الماضي أن يكون حزب الله وراء قصف أحد المواقع الإسرائيلية في جبل الشيخ بصاروخين، ردّاً على الغارة التي نفذها طيران العدو قرب بلدة جنتا البقاعية، وصدور بيان عن حزب الله يؤكّد فيه أنه سيردّ «في الزمان والمكان المناسبين»، من دون تأكيد رسمي إسرائيلي لمسؤولية الحزب عن الصاروخين.
يتّسم سير المعارك في القنيطرة بكثيرٍ من التعقيد. تدرك الأجهزة الأمنية السورية والمقاومة أن إسرائيل تستغل الفرصة لتحقيق ما طمحت إليه طويلاً، بإبعاد وحدات الجيش السوري المقاتلة عن حدود الكيان الشمالية، واستغلال المصادر المائية الوفيرة في سهول الجولان المحرر وهضابه. ويقول المعنيون إن «إسرائيل تستفيد من حالة الفوضى على الحدود، وتحاول تحويل التهديدات إلى فرصة، عبر دعم المسلحين لتشكيل حزام أمني على شاكلة الحزام اللبناني، يمنع ربط الجبهة السورية بالجبهة اللبنانية مستقبلاً». وتؤكّد المصادر أن «القرار واضح لدى محور المقاومة: ممنوع على إسرائيل إنشاء شريط أمني، ممنوع على إسرائيل فصل الجبهتين».
وبحسب المعلومات المستقاة من مصادر عسكرية ميدانية، «أرسل الجيش السوري تعزيزات إلى الجولان، وهو يمنع بمساعدة اللجان الشعبية المسلحين الذين ينقلون جرحاهم إلى المستشفيات الإسرائيلية من الاستقرار في أي بقعة، ويحاصرهم في بريقة وبئر عجم في القطاع الأوسط، ويشلّ حركتهم في القطاع الجنوبي، ويحاصرهم في القطاع الشمالي». وتؤكّد المصادر أن «عملية فكّ الحصار عن قوات الجيش السوري في التلال الحمر ستحصل قريباً جداً»، مشيرةً إلى أن «التعزيزات العسكرية أصبحت على مقربة من مواقع الجيش في التلال الحمر (غرب بلدة كودنة في القطاع الجنوبي)».
الحديث عن نشاط فاعل لحزب الله في منطقة القنيطرة لا يجد من يؤكّده رسمياً. لكنّ أحداً لا ينفيه. وبحسب مصادر محليّة في محافظة القنيطرة، فإن «استطلاعاً للجبهة مع الأراضي المحتلة أجراه قبل فترة معنيون بعمل المقاومة وضباط في الحرس الجمهوري السوري»، وإن هناك نشاطاً ملحوظاً لـ«مقاومين مجهولين» لا صلة لهم بالمواجهات المباشرة الدائرة بين الجيش السوري ومسلحي المعارضة السورية، ويرابطون على مقربة من الحدود مع الجولان المحتل.
وكان وزير الخارجية السوري وليد المعلم، قد أشار أمام مجلس الشعب، أمس، إلى أن «الاعتداء الإسرائيلي على الحميدية في الجولان جاء بعد أن شعرت إسرائيل بأن قواتنا قامت بعملية استباقية من شمال الجولان وصولاً إلى درعا والحدود الأردنية لنسف أي تفكير بإقامة حزام آمن في الجولان هدفه حفظ أمن إسرائيل».

يمكنكم متابعة فراس الشوفي عبر تويتر | @firasshoufi