أرادتها إسرائيل مسرحية أكثر منها عملية عسكرية، ليكون توظيفها ممكناً إلى الحد الأقصى في التأليب على طهران، فحضرت الكاميرات في كل مرحلة من مراحل عملية الاستيلاء على السفينة المحمّلة صواريخ سورية كانت في طريقها إلى المقاومة الفلسطينية.
عملية الاعتراض، التي وصفت بأنها الأكبر خلال العام ونصف العام الأخيرين، رأت فيها إسرائيل استئنافاً للعلاقة بين إيران وفصائل المقاومة في غزة، متوقفةً، بحسب صحيفة «هآرتس»، عند جديدٍ يشغل بال محلليها هذه المرة، هو أن «السوريين يخصصون مسعى لتنفيذ عملية تهريب كهذه، حتى خلال الحرب الأهلية التي يخوضونها في بلادهم».
في تفاصيل الرواية الإسرائيلية، أغارت قوة مؤلفة من مجموعة قطع بحرية، وفي طليعتها مقاتلون تابعون لوحدة الكوماندوس البحري «شييطت 13»، على سفينة كانت تحمل شحنة سلاح تشق طريقها من إيران إلى قطاع غزة. ونُفذت العملية في عرض البحر الأحمر عند الخامسة والنصف من فجر أمس على مسافة نحو 100 كلم من مرفأ بورتسودان الذي كان من المقرر أن ترسو السفينة فيه وتفرغ حمولتها التي من المفترض أن تستكمل طريقها براً إلى قطاع غزة. والسفينة التي ضبطت شحنة السلاح عليها هي سفينة تجارية تدعى «KLOS C» وترفع علماً بنمياً، ويوجد عليها طاقم يتكون من 17 بحاراً معظهم أتراك، ولم يكونوا، بحسب التحقيقات الأولية التي أجريت معهم، يعلمون حقيقة الحمولة الإيرانية التي كانت مموهة داخل الحاويات بأكياس ترابة كتب عليها «صنع في إيران». والحمولة التي ضُبطت، بحسب المصادر الإسرائيلية، هي عبارة عن ثلاثين صاروخ أرض أرض متوسط المدى من طراز M302، إضافة إلى أسلحة وذخائر أخرى أقل أهمية. وأشرف كل من وزير الدفاع ورئيس الأركان الإسرائيليين، موشيه يعالون وبيني غانتس، شخصياً على العملية من داخل مركز القيادة العليا التابع للجيش الإسرائيلي في تل أبيب، فيما قاد قائد سلاح البحرية، رام روتبرغ، العملية مباشرة من داخل غرفة عمليات ميدانية خاصة كانت موجودة على متن إحدى البارجتين اللتين شاركتها في العملية. ورافقت البارجتين قوة جوية مؤلفة من سرب مقاتلات ومروحية إنقاذ وطائرات من دون طيار.
وأشارت التقارير الإعلامية الإسرائيلية إلى أن عملية السيطرة التي أطلق عليها «الكشف الكامل» حصلت من دون أية مقاومة، ولم ينتج منها أية إصابات. وفي إيجاز صحافي، قال نائب قائد سلاح البحرية الإسرائيلي، يارون ليفي، إن «العملية نفذت في منطقة مكتظة بالملاحة وقمنا بها بنحو ناجح وسري. كابتن السفينة استيقظ صباحاً ووجد حوله جنوداً من سلاح البحرية (الإسرائيلية). كانت هناك بارجة على جانب السفينة وبارجة أخرى من الجانب الثاني والكوماندوس من حولها». وأكد ليفي أن طاقم من البحرية الإسرائيلية يقود حالياً سفينة «KLOS C» باتجاه ميناء إيلات، متوقعاً وصولها بعد نحو ثلاثة إلى أربعة أيام.
وعلى مدى ساعات نهار أمس وليله، بثت التلفزة الإسرائيلية لقطات صورها الجيش الاسرائيلي على متن السفينة المصادرة يظهر فيها أفراد من البحرية الإسرائيلية يقفون فوق صندوق خشبي داخله صاروخ.
وذكرت التقارير الإسرائيلية أن بداية العملية كانت بمعلومات استخبارية حساسة عن عملية تهريب سلاح نوعي ستتم إلى قطاع غزة. ونقلت صحيفة «هآرتس» عن ضابط كبير في الجيش قوله إن مصدر الصواريخ التي ضبطت هو سوريا، مؤكداً أنها شحنت من مطار دمشق جواً إلى طهران، ومن هناك عبر شاحنات إلى مرفأ بندر عباس على شاطئ الخليج الفارسي، حيث عُبّئت ومُوِّهَت داخل حاويات حُمّلت على السفينة التي أبحرت ابتداءً باتجاه العراق واستكملت طريقها باتجاه بورتسودان. وأشار الضابط الإسرائيلي إلى أن الهدف النهائي للصواريخ كان المنظمات الفلسطينية في قطاع غزة، حيث كان يفترض بمهربين أن يتسلموا شحنة السلاح في المرفأ السوداني وينقلوها إلى الحدود السودانية الأريترية، ومن هناك إلى سيناء وصولاً إلى رفح المصرية فغزة. وفي ظل خلو البيانات والإيجازات التي صدرت عن مسؤولي الجيش من أية إشارة إلى الجهة المحددة التي كان السلاح موجهاً إليها داخل القطاع، رجح موقع «يديعوت أحرونوت» أن تكون هذه الجهة هي حركة الجهاد الإسلامي دون حماس.
وأشار موقع «يديعوت أحرونوت» إلى أن المداولات بشأن عملية اعتراض السفينة بدأت قبل أسبوعين داخل المجلس الوزاري السياسي الأمني المصغر الذي عقد سلسلة اجتماعات مكثفة استمرت ساعات، واضطرت الوزراء إلى تغيير جداول أعمالهم اليومية. وبحسب الموقع، عُرضت معلومات استخبارية تتعلق بالعملية، إضافة إلى طرق العمل المحتملة. كذلك استعرضت المخاوف والمعضلات التي ترافق هذا النوع من العمليات. وطُلب من الوزراء التصديق على جملة مخططات واختيار الطريقة التي سيعمل بها الجيش للسيطرة على السفينة، في ضوء الخشية من حصول إشكاليات يمكن أن يسببها وجود العديد من القراصنة في المنطقة التي تقرر تنفيذ العملية فيها.
وما إن أُعلن الكشف عن تنفيذ العملية ظهر أمس، حتى تناوب المسؤولون الإسرائيليون على إطلاق المواقف التي تمحورت جميعها حول التركيز على الدور الإيراني في عملية التهريب. ومن العاصمة الأميركية، قال رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو إن إيران «في الوقت الذي تتحدث فيه مع الدول العظمى، وفي الوقت الذي تبتسم فيه وتتحدث بكلام ناعم، إيران هذه نفسها ترسل سلاحاً فتاكاً للمنظمات الإرهابية، وهي تفعل ذلك عبر شبكة متشعبة من متعهدين سريين». وأضاف: «هذه هي إيران الحقيقية، ومن غير المسموح أن تحصل هذه الدولة على سلاح نووي، وسنواصل العمل قدر المستطاع من أجل حماية مواطني إسرائيل».
من جهته، قال وزير الدفاع، موشيه يعالون: «يتضح مجدداً أن إيران تواصل أداء دور المصدِّر الأكبر للإرهاب في العالم، وهي تسعى إلى زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط من خلال استغلال مسارات التجارة البحرية وخرق القانون الدولي. إيران تدرِّب، تموِّل، وتسلِّح منظمات إرهابية في المنطقة وفي أنحاء العالم، ومحاولاتها الفاشلة لنقل السلاح التي انكشفت صباح اليوم عبر مقاتلي الكومندوس البحري هي دليل إضافي على ذلك».
بدوره شدد رئيس الأركان، بيني غانتس، على أن «إسرائيل تحاول دائماً تقليص التهديدات المحدقة بها، ولا سيما الخطيرة منها التي تقف وراءها إيران». ورأى المتحدث باسم الجيش، موتي ألموغ، أن «إيران تواصل خداع العالم عبر تهريب الصواريخ»، مشيراً إلى أن الجيش الإسرائيلي اكتشف الحيلة، وأضاف: «نحن نعرف أن مصدر الصواريخ هو سوريا، من هناك نقلت إلى إيران ومن هناك على متن سفينة باتجاه بورتسودان».
وفي وقت لاحق، أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن سفير إسرائيل في الأمم المتحدة، رون بروشاور، تقدم بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي ضد إيران، متهماً إياها بمحاولة تهريب صواريخ إلى قطاع غزة.
إيران وحماس تنفيان...وأميركا تؤكّد!
في المقابل، نفى مسؤولون إيرانيون المعلومات التي وردت. وصرّح نائب وزير الخارجية أمير عبد اللهيان لوكالة «فارس» الإيرانية بأنّ المعلومات «عن إرسال سفينة تنقل أسلحة إيرانية إلى غزة خاطئة. إنها أكاذيب لا أساس لها تكررها وسائل الإعلام الصهيونية». من جهتها، وصفت حركة «حماس» البيان الإسرائيلي بأنه «مزحة سخيفة». وقال مستشار رئيس الحكومة طاهر النونو إنّ «هذه الرواية الصهيونية هي ادعاء سخيف وفبركة فاشلة لتبرير حصار قطاع غزة. هذه كذبة كبرى وفيلم غير متقن الإخراج من الاحتلال الصهيوني». في المقابل، أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني، أمس: «سنظل على موقفنا المعارض للدعم الذي تقدمه إيران لزعزعة الاستقرار في المنطقة، وذلك بالتنسيق مع شركائنا وحلفائنا»، مضيفاً في حديث مع الصحفيين، أن «هذه النشاطات تشكل انتهاكاً صارخاً لالتزامات إيران إزاء مجلس الأمن الدولي».




السفينة الخامسة على لائحة الشرف

تنضم «كلوس سي» إلى شقيقاتٍ أربع سبقتها على لائحة الشرف المشتملة على أسماء السفن التي ضبطت وهي تحاول تهريب السلاح الإيراني والسوري إلى المقاومة الفلسطينية. فاتحة العهد كانت سفينة «سانتوريني» عام 2001، التي كانت في طريقها من لبنان إلى غزة، وقالت إسرائيل إنها عثرت على متنها 40 طناً من الوسائل القتالية، بما فيها صواريخ مضادة للطائرات. تلتها عام 2002 «كارين إي»، التي استولت عليها إسرائيل في البحر الأحمر، متوجهة من ميناء بندر عباس الإيراني إلى غزة، وعلى متنها نحو 50 طناً من الأسلحة. وفي تشرين الثاني 2009 نفذت إسرائيل عملية قرصنة ثالثة على سفينة «فرانكوب» التي كانت محملة بـ500 طن من الأسلحة التي كانت في طريقها إلى حزب الله عبر ميناء اللاذقية، وضمّت، وفقاً للإحصائية الإسرائيلية، 36 حاوية كان داخلها 14 ألف صاروخ وقذيفة وعشرات آلاف الطلقات النارية. وآخر سفينة ضبطتها البحرية الإسرائيلية كانت «فكتوريا»، في آذار 2011، وهي في طريقها من ميناء مرسين في تركيا إلى ميناء العريش في مصر. واحتوت شحنة الأسلحة صواريخ بر ـــ بحر إيرانية الصنع إضافة إلى أسلحة وذخائر أخرى.