يُبدي قادة القوى السياسية تشدّداً إزاء مسألة تعديل الدستور، في ظلّ خلافات بينهم حول طبيعة التعديلات المطلوبة. وليست دعوات التعديل وليدة الدورة البرلمانية الحالية؛ إذ أن «صقور» العملية السياسية كانت سبقت لهم الدعوة إلى «إصلاح» الدستور، وعلى رأسهم زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر، ورئيس «ائتلاف دولة القانون» نوري المالكي، إلى جانب رئيسي الوزراء السابق حيدر العبادي والأسبق إياد علاوي. لكن في ظلّ الحَراك الشعبي المتواصل منذ الأول من تشرين الأول/ أكتوبر، عادت تلك الدعوات إلى الواجهة، في ظلّ قناعة بأن «الأمر برمّته يحتاج إلى إرادة سياسية». وصوّت البرلمان، في 28 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، على تشكيل «لجنة نيابية عليا» تضمّ 18 نائباً من «المكوّنات» الثلاثة الرئيسة والأقلّيات، تتكفّل بإعادة صياغة فقرات الدستور، ويتوجب عليها تقديم تقرير إلى المجلس خلال مدة لا تتجاوز أربعة أشهر، يشمل توصيات بالتعديلات الضرورية. وفي 11 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، انتخبت اللجنة النائب عن «تيار الحكمة» فالح الساري رئيساً لها، والنائب عن «تحالف القوى العراقية» محمد تميم نائباً له، والنائب عن «الصابئة» (أقلّيات) صائب خدر مقرراً.
عرض رئيس «كردستان» على القوى السياسية في بغداد قائمة شروط مقابل الموافقة على التعديل

توضح مصادر سياسية، في حديث إلى «الأخبار»، أن الدستور الحالي الذي يحظى بموافقة 78% من الشعب (عقب استفتاءٍ أُجري عليه في تشرين الأول/ أكتوبر 2005، ويتكوّن من 144 مادة)، كُتب للعمل به لمدّة 6 أشهر فقط، على أن يُعدَّل في عام 2006، غير أن التوافقات السياسية حالت دون ذلك. ويبيّن عضو «لجنة صياغة الدستور»، النائب يوسف الكلابي، من جهته، أن «مسوّدة دستور 2005 تتكوّن من 133 مادة فقط، وما تبعها من فقرات ومواد دستورية أضيفت بعد الاستفتاء»، مضيفاً في تصريحه إلى «الأخبار» أن «أكثر من 10 مواد لم يطّلع عليها الشعب، وثُبّتت في الدستور بعد التفاف سياسي على نتائج الاستفتاء بغية إرضاء المكوّن الكردي». أما في شأن النقاشات الدائرة حالياً، فيفيد مصدر برلماني «الأخبار» بأن «أكثر من 50 مادة ستُناقَش على طاولة التعديل لإعادة صياغتها، باستثناء المواد الخلافية مع إقليم كردستان، والتي تحتاج إلى حوارات مستفيضة للوصول إلى حلّ يُرضي طرفي الخلاف» أي بغداد وأربيل، مشيراً إلى أن أبرز المواد المزمع تعديلها وإعادة صياغة فقراتها، هي:
المادة 1 الخاصة بتحويل شكل النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي.
المادة 80 الخاصة بصلاحيات مجلس الوزراء ورئيسه.
المادة 102 الخاصة بالهيئات المستقلة.
المادة 112 الخاصة بإدارة النفط والغاز المستخرَج من حقول الأقاليم والمحافظات.
المادة 115 الخاصة بتوزيع الصلاحيات بين الحكومة الاتحادية والمحافظات.
المادة 126 الخاصة بإجراء تعديلات دستورية على بعض الفقرات.
المادة 142 الخاصة برفض الدستور بأغلبية الثلثين في 3 محافظات.
المادة 140 الخاصة بالمناطق المتنازع عليها.

رفض المساس بـ«المكتسبات»
يتحدث خبراء ومراقبون عن صعوبات أمام إعادة صياغة فقرات الدستور، أبرزها رفض «المكوّن الكردي» المساس بـ«مكتسباته» التي تحصّل عليها بعد عام 2003، ومطالبة «المكوّن السني» بالمزيد من الصلاحيات الإدارية في المحافظات الغربية والشمالية، خوفاً من أيّ «تهميش» على يد «المكوّن الشيعي» في السلطة، كما يقول عددٌ من النواب. وفي هذا الإطار، يكشف مصدرٌ من داخل «تحالف البناء» لـ«الأخبار» عن نتائج زيارة وفدَين كرديين إلى بغداد أخيراً، أحدهما برئاسة رئيس «إقليم كردستان» نيجيرفان بارزاني، والآخر برئاسة وزير المالية الأسبق هوشيار زيباري، قائلاً إن الوفدين ناقشا آلية تعديل الدستور من دون المساس بحقوق «المكوّنات»، مضيفاً أن رئيس «الإقليم» عرض على القوى السياسية في بغداد قائمة شروط مقابل الموافقة على التعديل، وأبرزها:
1- إبقاء النظام السياسي برلمانياً
2- أن يبقى رئيس الجمهورية كردياً
3- رفع نسبة الكرد من الموازنة إلى 25%
4- إسقاط الديون المترتبة على أربيل
5- إلغاء العمل باتفاقية الغاز بين المركز و«الإقليم».
وتابع المصدر أن القوى الكردية طرحت، في حال عدم قبول بغداد بالمطالب المتقدّمة وإصرارها على المضيّ في التعديل من دون الأخذ بها، التحوّل من الفدرالية إلى الكونفدرالية، وتشكيل إقليم إداري مشترك بين أربيل وبغداد يشمل كركوك ودربندخان وبعض مناطق سهل نينوى، فضلاً عن فرض هيمنة كردية كاملة على المناطق المتنازع عليها عبر حلّ المادة 140.
إزاء ما تقدم، يحتمل مراقبون العودة إلى تأجيل مسألة تعديل الدستور، في ظلّ تضارب مصالح «المكوّنات»، خصوصاً وأن تغييراً من هذا النوع «يتطلّب إرادة سياسية مسبقة، واتفاقاً بين الأحزاب» على المضيّ فيه.