القاهرة | بعد سنوات من صمت الولايات المتحدة على توجّه مصر نحو روسيا لتعزيز منظومتها التسليحية، دخلت العلاقات بين الحليفين منحًى جديداً، مع تلويح واشنطن، علناً أمس، بتعريض القاهرة لعقوبات في حال إتمام الأخيرة صفقة شراء طائرات «سو 35»، والتي من المقرّر أن تحصل على نحو 20 منها، بالإضافة إلى أسلحة روسية أخرى، يفترض وصولها كافة بدءاً من العام المقبل، في صفقة وصلت قيمتها إلى أكثر من ملياري دولار. وعلى رغم إبرام صفقات عسكرية عدة بين مصر وروسيا خلال السنوات الماضية، إلا أن لدى الولايات المتحدة تحفّظاً على هذه الصفقة تحديداً، في الوقت الذي ترفض فيه أيضاً منح «المحروسة» أجيالاً متطورة من طائرات يصرّ الجيش المصري على طلبها.وكانت مصر قد عاودت إبرام اتفاقات تسلّح مع روسيا في أعقاب وصول عبد الفتاح السيسي إلى الحكم، خاصة أن موسكو دعمت السيسي بعد عزل الرئيس الراحل محمد مرسي، فيما كانت واشنطن قد قرّرت آنذاك وقف التعاون العسكري مع القاهرة وتجميد المساعدات الممنوحة لها. وتؤكد مصادر مصرية، إلى «الأخبار»، أن صفقة «سو 35» لن يتم التراجع عنها تحت أيّ ضغوط، نافية الربط بين الوساطة الأميركية في مسألة «سدّ النهضة» وشراء الطائرات، مع أن هناك تلويحاً أميركياً بتزويد إثيوبيا بأسلحة متطورة رداً على استمرار مصر في الصفقة، وهو «الأمر الذي نراه شأناً أميركياً». وتوضح المصادر أن الحصول على طائرات روسية لا يعني أنها ستكون بديلاً من الأسلحة الأميركية، ولا سيما «أننا ناقشنا مع مسؤولين عسكريين أميركيين احتياجاتنا... لا نزال نرحّب بالحصول على تلك الأسلحة، لكن الصفقات مع موسكو التزام لا مجال للتراجع عنه بعدما صار أمراً واقعاً». وحول التهديدات الأميركية، تقول إن «التلويح بوقف المساعدات العسكرية التي تحصل عليها مصر بموجب اتفاقية كامب ديفيد لن يكون ذا جدوى، خاصة أن هذه المساعدات لم تعد المصدر الأساسي لتسليح الجيش... القاهرة تراهن على سياسة النَّفَس الطويل في هذا الأمر».
تنفي مصادر مصرية تأثير الأزمة الجديدة في وساطة «النهضة»


لكن ما يزيد تعقيد الموقف هو الأنباءُ التي نقلتها الصحافة الفرنسية (مجلة «لوبوان») عن طلب رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، من باريس إبرام صفقات تضمّ مقاتلات «رافال» وصواريخ باليستية بالإضافة إلى عدد من المروحيات القتالية، ضمن خطة لـ«تعزيز ترسانة الأسلحة الجوية» الإثيوبية التي يصل مدى بعضها إلى ستة آلاف كيلومتر. وتبلغ كلفة الأسلحة التي طلبها أحمد، في خطاب رسمي إلى الرئيس إيمانويل ماكرون، نحو أربعة مليارات يورو، تعهّد رئيس الوزراء الإثيوبي، الحائز أخيراً «جائزة نوبل للسلام»، إرسالها في أقرب وقت، مع أن بلاده تعاني نقصاً في العملة الأجنبية. وتكمن خطورة ذلك الخطاب في أنه يعيد إلى الأذهان تصريحات سابقة، أدلى بها أحمد أمام البرلمان الشهر الماضي، ولوّح فيها بالحرب من أجل «سدّ النهضة»، متحدثاً عن إمكانية تعبئة ملايين الأشخاص في حال الاضطرار إلى هذا الأمر.
مع ذلك، تُخفّف أوساط رسمية من وقع تقرير المجلة الفرنسية، خاصة أنه نُشر بالتزامن مع توقعات بانفراج في أزمة السدّ في الاجتماع المقبل الذي سيُعقد في العاصمة المصرية، بعد التوافق في أديس أبابا قبل أيام على ملء السدّ خلال سبع سنوات، وهو مقترح وسطي يلبّي المطالب المصرية والإثيوبية والسودانية. ومع أنه لم يصدر عن اجتماع أديس أبابا، الذي حضره مندوبون أميركيون وآخرون من «صندوق النقد الدولي»، بيان ختامي، لكن على الأقل صدر بيان عن الخارجية السودانية. وإلى جانب ما تقدم، لا يزال حديث السفير الأميركي الجديد لدى القاهرة، جوناثان كوهين، دبلوماسياً، إذ قال أخيراً إن بلاده مستمرة فى بحث آليات تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع مصر، مؤكداً خلال اجتماعات «غرفة التجارة المصرية - الأميركية» أن واشنطن تريد الاستمرار في العلاقات المشتركة.