رفعت إسرائيل، أمس، إلى أعلى المستويات، تحذيراتها من هجوم إيراني عليها، مشابِهٍ للهجوم على المنشآت النفطية السعودية في أيلول/ سبتمبر الماضي، توازياً مع بدء الإقرار العلني بفشل استراتيجية «المعركة بين الحروب»، وبأنها استنفدت فاعليتها، وشارفت على نهايتها. وتأتي هذه التحذيرات استكمالاً لسلسلة مواقف وإجراءات وجلسات تقدير، من بينها جلستان أخيرتان للمجلس الوزاري المصغر، تركّزتا على استعراض التهديدات الإيرانية والاستعداد لمواجهتها، وإن اقترن كلّ ذلك بشبه تسليم بأن الدفاعات الإسرائيلية «غير مهيّأة» للتعامل مع مستوى القدرة الإيرانية الذي تجلّى في الهجوم الأخير على السعودية.وكرّر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أمس، في ختام دورة ضباط في الجيش الإسرائيلي، تهديداته، لافتاً إلى أن «المنطقة من حولنا عاصفة وتغلي، والتهديدات تبرز في كل مكان، في سوريا ولبنان وقطاع غزة، وكذلك أيضاً في العراق واليمن ومباشرة من إيران، (وإذا كانت) قوات إيرانية تعمل على التسلّح من دون توقف، فإننا لن نتردّد في توجيه ضربة قاسية لِمَن يحاول استهدافنا». وأشار نتنياهو إلى أن «مستوى جرأة إيران في المنطقة بات مرتفعاً، وهو يزداد أكثر فأكثر، على ضوء غياب الردّ على عدوانها في المنطقة»، في انتقاد واضح لإحجام الولايات المتحدة عن الردّ على الهجمات الإيرانية في الفترة الماضية. من جهته، قال قائد سلاح الجو الإسرائيلي، عميكام نوركين، إن منظومات الاعتراض الصاروخية جاهزة للتصدّي لتهديد الصواريخ الجوالة الإيرانية، على رغم إقراره بأن «التحدّي الدفاعي أصبح أكثر تعقيداً»، مضيفاً إنه «بينما نتحدث الآن، منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي على مختلف أنواعها وطبقاتها في حالة تأهّب، وهي تشمل الحيتس والباتريوت ومقلاع داود والقبة الحديدية». وكانت مصادر استخبارية قد ذكرت، في حديث إلى موقع «إنتيليجنس أونلاين» الفرنسي أمس، أن إيران قررت اعتماد استراتيجية جديدة في مواجهة أيّ هجوم إسرائيلي يستهدف مواقع لها في المنطقة، مبيّنة أن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، قاسم سليماني، هو الذي بلور استراتيجية الردّ تلك، والتي حظيت بموافقة المرشد الأعلى، علي خامنئي.
كلّ تلك التصريحات والمواقف، مترافقةً مع الإجراءات الميدانية، تشي بأن ثمة تقديراً لدى إسرائيل فحواه أن إيران متوثّبة في هذه المرحلة للردّ على الاعتداءات الإسرائيلية، وربما بأحجام غير تناسبية. ويعود ذلك إلى جملة متغيرات طرأت على ميزان القوى بين المعسكرين المتقابلين في المنطقة، أفضت إلى تغيير في موقف إيران وتموضعها، من الدفاع إلى الردّ التناسبي، وربما أيضاً الهجوم الابتدائي على إسرائيل. ومن أهم المتغيرات المشار إليها، ما يرتبط تحديداً بإيران نفسها وحلفائها، مع تكشّف ما لديهم من قدرات عسكرية وتشغيلية كانت حتى الأمس القريب موضع إنكار إسرائيلي لافت، مضافةً إليها «الجرأة» على اتخاذ القرار بتفعيل هذه القدرات لاستهداف الطرف الآخر. إلا أن هذا لا يلغي وجود أسباب أخرى مرتبطة بسعي الجيش الإسرائيلي إلى تركيز اهتمام المستوى السياسي على تسريع تطوير المنظومات الدفاعية إزاء القدرات الهجومية الإيرانية.
على خطّ موازٍ لتعاظم التهديدات، بدأت إسرائيل، في تحوّل لافت، بتظهير تقديراتها لما آلت إليه «المعركة بين الحروب»، والتي حكمت اعتداءاتها في السنوات القليلة الماضية، في معظم ساحات المواجهة مع أعدائها. و«المعركة بين الحروب» تُعرَّف في إسرائيل بأنها سلسلة عمليات هجومية بوتيرة منخفضة، تُنفَّذ في الفترة التي تسبق الحروب، وتهدف إلى منع تعاظم الأعداء عسكرياً وإبعاد الحرب الواسعة، التي إن اندلعت لاحقاً، تكون إسرائيل قادرة على حسمها سريعاً بأقلّ قدر من الأثمان. انطلاقاً من تلك الاستراتيجية، نُفّذت الاعتداءات الصاخبة وغير الصاخبة في أكثر من ساحة في المنطقة، وتحديداً في الساحة السورية، في استغلال إسرائيلي لانشغال الدولة السورية في مواجهة الحرب عليها. وفي السنوات الثلاث الأخيرة، تركّزت «المعركة بين الحروب» على منع «تمركز إيران» في سوريا، وكبح تعاظم حزب الله، ومنعه من التزوّد بوسائل قتالية نوعية، وتحديداً بصواريخ دقيقة.
أين هي هذه الاستراتيجية الآن؟ وهل لا تزال حية؟ الإجابة جاءت أمس على لسان مصدر أمني إسرائيلي رفيع سابق، في حديث إلى موقع «المونيتور» بنسخته العبرية، حيث قال إن «المعركة بين الحروب» وصلت إلى نهاية طريقها، عازياً ذلك إلى أسباب متراكمة: نقل الأنشطة الإيرانية (التسليحية) من سوريا إلى لبنان الذي لا تهاجمه إسرائيل منذ أكثر من 13 عاماً؛ ردود الفعل الروسية التي باتت أكثر إشكالية بالنسبة إلى إسرائيل؛ الثقة الإيرانية بالنفس، والتي تَسبّب بها غياب الفعل والانكفاء الأميركيين عن المنطقة. وأضاف إن «إسرائيل تفهم أن استمرار المعركة بين الحروب معناه اندلاع حرب، وليس أكيداً أن هناك في القدس (المحتلة) من سيتخذ قراراً كهذا الآن».