عمان | لم تفلح الجهود التي بذلها الأردن لحلّ قضية مواطنته هبة اللبدي (24 عاماً)، والتي أسرها العدو الإسرائيلي في 20 آب/ أغسطس الماضي عند «معبر الكرامة»، أثناء توجهها إلى فلسطين المحتلة في زيارة عائلية، كونها تحمل الهوية الفلسطينية أيضاً. خلال التحقيق، تعرضت اللبدي لتعذيب قاسٍ، وفق إفادتها لمحامية شؤون الأسرى والمحررين، إذ كان يتمّ استجوابها لساعات طويلة في الأيام الـ16 الأولى (من التاسعة صباحاً حتى الثانية فجراً) لانتزاع اعتراف منها بالتهم المُوجّهة إليها، وهي «تهم فضفاضة» تتعلق بـ«أمن إسرائيل». ومنذ البداية، هدّدها المحققون بالاعتقال الإداري مع تخويفها بصلاحية المحكمة بتمديده كل ستة شهور على مدى سبع سنوات ونصف سنة، ومن بعدها منعها من الرجوع إلى الأردن وإبقائها تحت المراقبة في الضفة المحتلة مع منع أهلها من زيارتها.
لم تفلح المحاولات الأردنية «الناعمة» حتى في تحسين ظروف اعتقال الاثنين (من الويب)()

طوال فترة التحقيق، مُنعت هبة من لقاء محامٍ أو حتى التواصل معه هاتفياً، ولم يكن تحويلها إلى الاعتقال الإداري إلا دليلاً على صمودها ورفضها الاعتراف بأيّ تهمة. ووفق مصادر معنية بالملف، تتعرض اللبدي جرّاء ذلك لظروف اعتقال مهينة في سجن «الجلمة»، ولذا أعلنت منذ تحويلها إلى «الإداري» إضراباً مفتوحاً عن الطعام، أدى إلى تدهور حالتها الصحية، مع انخفاض كبير في وزنها. حاول طاقم الدفاع، في جلسة تثبيت الحكم الإداري الأربعاء الماضي، اقتراح عودتها إلى الأردن، بما يعني إفراغ التهمة العامة المُوجّهة لها - أي «تهديد أمن إسرائيل» - من مضمونها، لكن المحكمة العسكرية رفضت هذا الاقتراح. ووفق المصادر، لو كانت أيّ من التهم المُوجّهة إلى الأسيرة صحيحة، لتعرضت لاستدعاءات أمنية في عمّان أصلاً، الأمر الذي لم يحدث، خاصة أنه لا نشاط سياسياً لها. وبعد تثبيت الحكم، قالت الخارجية الأردنية إن التصديق على الاعتقال الإداري للمواطنة اللبدي هو «حكم باطل وغير مقبول ومرفوض»، مطالِبةً بـ«الإفراج الفوري عنها»، علماً أنه سبق لمسؤولين في السفارة الأردنية لدى تل أبيب أن التقوا هبة في سجنها لكن من دون نتيجة.
اللبدي لم تكن الأردنية الوحيدة التي اعتُقلت أخيراً، إذ أقدم العدو بالطريقة نفسها وفي المكان عينه على اعتقال عبد الرحمن مرعي (29 عاماً) أثناء توجهه إلى فلسطين في العشرين من الشهر الماضي. ووجّهت المحكمة العسكرية، بداية، تهمة حضور ندوة داعمة للقدس ضد مرعي، نفى الأخير حضورها، فيما خرج القاضي الذي حوّل عبد الرحمن إلى «الإداري» في ثاني جلسات محاكمته (نهاية الشهر الماضي) بتهمة جديدة مفادها أن الأسير «قد يشكل خطراً على إسرائيل في المستقبل». ومثلما حصل للبدي، تنتظر مرعي في الثالث والعشرين من الشهر الجاري جلسة محاكمة جديدة سيصدر خلالها حكم نهائي بالتثبيت، هدّد مرعي، وهو مريض بالسرطان منذ عشر سنوات، بخوضه إضراباً في حال صدوره. وتقول عائلة عبد الرحمن إن ابنها قابع في سجن «عوفر» وممنوع من مهاتفتها، لكن أسرى آخرين تبرعوا بمواعيد اتصالاتهم بذويهم ليخبروها بإصابته بمرض جلدي نادر.
الأسير الثاني المعتقل حديثاً عبد الرحمن مرعي مُصاب بالسرطان منذ سنوات


من جهتها، استدعت وزارة الخارجية الأردنية القائم بأعمال السفير الإسرائيلي لدى عمّان، وسلّمته مذكرة احتجاج على اعتقال اللبدي ومرعي، طالبت فيها بـ«توفير ظروف احتجاز ملائمة لهما، ومراعاة الإجراءات القانونية السليمة بما يتفق مع القانون الدولي». كذلك، طُلب من السفارة الأردنية لدى تل أبيب إجراء زيارات دورية لهما في أماكن اعتقالهما، لكن السلطات الإسرائيلية لم تستجب لأيّ من مطالب عمّان. وإذ يصعب القول إن اعتقال مرعي واللبدي جاء في وقت غير مناسب للعلاقات بين الطرفين، بالنظر إلى أن قضية الأسرى الأردنيين في سجون العدو ليست جديدة (باعتقال مرعي وصل عددهم إلى 22 أسيراً وأسيرة، سبعة منهم من ذوي الأحكام العالية، أي من تسعة مؤبدات حتى 36 سنة)، إلا أن التصعيد الإسرائيلي يثير تساؤلات عن تعمّد إحراج الأردن، ولاسيما في ذكرى توقيع «اتفاقية السلام» (تحلّ في السادس والعشرين من الشهر الجاري).
حتى الآن، تفضّل المملكة الأطر الدبلوماسية، وتتجنب التصعيد واستخدام أوراق الضغط التي لديها، ابتداءً من سحب السفير الأردني وإعادته إلى عمّان (آخر مرة استدعى الأردن سفيره كانت عام 2015 ولثلاثة شهور)، أو الطلب من البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية المغادرة، أو حتى التلويح بتجميد العمل بالاتفاقات المشتركة، خصوصاً أنها في موقع قوة ولا تهم ملموسةً في حق مواطنيها هذه المرة. في المقابل، يظهر العدو الإسرائيلي أنه يتعامل مع اللبدي ومرعي وغيرهما من الأسرى الأردنيين بوصفهم فلسطينيين، مع أنهم من حَمَلة الرقم الوطني الأردني وبطاقة إحصاء الجسور الصفراء إلى جانب الهوية الفلسطينية، وهؤلاء لا توجد إحصاءات علنية رسمية بخصوصهم في المملكة، لكن تقدّر أعدادهم بربع مليون شخص. وتجدر الإشارة إلى أن كثيرين من موظفي السلطة الفلسطينية، ومن بينهم رئيسها محمود عباس، يحملون الجنسية الأردنية والهوية الفلسطينية في آن، لكن مع ذلك لم تحرّك السلطة ساكناً تجاه قضية اللبدي ومرعي بوصفهما فلسطينيين أصلاً.
الاهتمام الشعبي الكبير بقضية اللبدي على وجه الخصوص زاد الضغوط على عمان، وفي الوقت نفسه أعاد تسليط الضوء على قضية المعتقلين الإداريين عامة، والأسرى الذين يخوضون إضراباً عن الطعام بعيداً عن أيّ اهتمام إعلامي بهم، وهم إضافة إلى هبة: أحمد غنام (98 يوماً على التوالي)، إسماعيل علي (91 يوماً)، طارق قعدان (81 يوماً)، أحمد زهران (27 يوماً) ومصعب الهندي (26 يوماً).