شأنها شأن مختلف المؤسسات الأميركية، أعربت وسائل الإعلام في الولايات المتحدة عن تفاجؤٍ وحيرة إزاء قرار دونالد ترامب إعادة نشر القوات الأميركية في شمال سوريا. وفيما رأت أن ما قام به الرئيس جزء من مسار طالما اعتمدته الإدارات الأميركية المتعاقبة في تعاملها مع «الأكراد»، وذلك عبر التخلّي عنهم أمام أهم المنعطفات من أجل مكاسب أكبر، نبّهت إلى أن قرار ترامب بالذات نابع من «رعونة ما»، ومتّسق مع تحركات غير محسوبة غالباً ما اتّسم بها الرجل.في مقال بعنوان «ترامب يضرب الأكراد مجدداً»، كتبت مجلة «ذي نيو ريبابليك» أنه «من غير الواضح ما إذا كانت هناك أسباب جغرافية - سياسية حقيقية وراء قرار ترامب السماح للأتراك بالدخول إلى سوريا الكردية». وذكّرت المجلة بأنه «في الإدارات السابقة، جرت التضحية بالاستقلال الذاتي والأمن الكرديين، بشكل خاطئ أحياناً، لمصلحة هواجس أكبر تتعلق بالاستقرار»، مضيفة أن «إدارة ترامب تواصل هذه السياسة الرسمية المبنية على الخيانة الدورية»، مستدركة بأن «التحرك الأخير ترامبي بامتياز: عفوي، مفاجئ حتى للمستشارين، مزعزع للاستقرار، وفي نهاية المطاف لا طائل منه». ورأت أن الأمر «قد يكون عبارة عن إعلان عن فوز فارغ ضد داعش، ومحاولة للمطالبة بالحصول على التقدير لإنهاء أحد أقصر وأصغر وأحدث الاشتباكات العسكرية الأميركية»، معتبرة أن «هذا الأمر يتناسب مع الشعبوية القومية التي أتت بترامب إلى السلطة».
«ذي واشنطن بوست»: ترامب باع الأكراد بطريقته الخاصة والفريدة


من جهته، أعرب إيشان ثارور، في مقال في صحيفة «ذي واشنطن بوست»، عن اعتقاده بأن «ترامب باع الأكراد بطريقته الخاصة والفريدة». إذ أشار ثارور إلى أن «خيانة الأكراد، في هذه المرحلة، تقليد أميركي»، لكن «ما يميّز الخيانة الحالية عن الحقب السابقة»، بحسبه، «هو عدم اتساق الاستراتيجية». وأضاف أن الأخطر هو أن «ترامب برّر تصرفاته ليس برؤية استراتيجية لمنطقة مضطربة، ولكن بنقاشات ترتبط بالحملة (الانتخابية)». ولفت ديفيد سانغر، في صحيفة «ذي نيويورك تايمز»، بدوره، إلى أن «الهروب» هو بكل بساطة «استراتيجية الأمن القومي للرئيس»، متابعاً أن «التخلّي المفاجئ لترامب عن الأكراد كان مثالاً آخر على السياسة الخارجية المستقلّة والموازية التي يديرها من البيت الأبيض». باختصار، الأمر عبارة عن تخلٍّ آخر، وهذه المرة «عن الأنظمة المعقّدة التي وُضعت منذ عهد الرئيس هاري ترومان، للأخذ في الحسبان الأثمان المحتملة والفوائد الناجمة عن القرارات الرئاسية». وفق الكاتب، «كُسر هذا النظام بشدة اليوم. فترامب يشكك في الموظفين الفنيين - العديد منهم من وزارة الخارجية والاستخبارات -، كما يبدي رفضاً للسياسة الخارجية الصادرة عن مؤسسات الدولة العميقة، إلى حدّ أنه عادة ما يعلن القرارات، ثمّ يجبر الموظفين على التعامل معها». في الاتجاه نفسه، رأى آيرون بلايك، في مقال في صحيفة «ذي واشنطن بوست»، أن «سياسة ترامب الخارجية أخذت منعطفاً جديداً، لا يعرف الجمهوريون الجواب عليه»، معتبراً أن الجمهوريين هم من أوصلوا أنفسهم إلى هذا المكان، ذلك أنهم «عاملوا ترامب كما لو كان طفلاً، ويبدو أن هذا الأمر شجّعه إلى درجة أنه ذهب في الاتجاه المعاكس».
تصرّف ترامب الأخير في سوريا «لا يعكس سوى جهله المدهش بالموقف». هذا ما عنونت به «ذي واشنطن بوست» افتتاحيتها، الأمر الذي تكرّر أيضاً في عنوان افتتاحية «ذي نيويورك تايمز» عبر سؤال: «هل يعرف دونالد ترامب ما هي سياسته بشأن سوريا؟». بحسب «ذي واشنطن بوست»، فإن ترامب سيقتنع مع الوقت بخطأ قراره، كما حصل عندما أعلن انسحاب القوات الأميركية من سوريا في كانون الأول/ ديسمبر الماضي. وإذ أشارت الصحيفة إلى أن «ترامب يدّعي أنه يفي بوعوده عبر إيقاف الحروب التي لا تنتهي في الشرق الأوسط»، فقد أوضحت أنه «بخلاف القوات الأميركية الكبيرة في العراق وأفغانستان، كانت العملية في سوريا خفيفة ومنخفضة التكلفة، كما أنها حققت نجاحاً باهراً». من جهتها، اعتبرت «ذي نيويورك تايمز» أن «ترامب دمّر كل ما اتُّفق عليه عندما جعل البيت الأبيض يستسلم لضغوط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان». و«حتّى لو لم يقم الأتراك بالغزو، فقد دمّر القرار (الأميركي) أي ثقة لا تزال لدى الأكراد، الذي يعتبرون من أهم الحلفاء للأميركيين، كما هدّد القتال ضد داعش»، وفق ما نبّهت إليه الصحيفة. أما الأهم من كل ذلك من وجهة نظرها، فهو أن «ترامب لم يضع الولايات المتحدة في مسار تصادمي مع تركيا فقط، ولكن وضع نفسه في موقع نزاع مع البنتاغون وحلفائه الجمهوريين».