إسطنبول | التظاهرات التي خرجت حتى الآن في مصر خالية تماماً من بصمة الإسلاميين، وبخاصة جماعة «الإخوان المسلمون» المحظورة قانوناً، إذ لم تعوّل الجماعة كثيراً على دعوات المقاول والفنان محمد علي بالتظاهر ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي واحتمالية رحيل الرجل الذي يقبض على السلطة منذ تموز/ يوليو 2013 بهذه السهولة. صحيح أن «الإخوان» أصدرت بيانات دعم للتظاهر، لكنها عممت تعليمات واضحة على قواعدها بالامتناع عن الخروج والمشاركة في التظاهرات إلا في اللحظات الأخيرة، أي بعد التأكد من نزول مئات الآلاف واقتراب حسم المشهد لمصلحة المتظاهرين.لذا، لم يكن هناك أي تفاعل إخواني مع التظاهرات سوى بالتغطيات الإعلامية في القنوات التابعة لهم وصفحاتهم على مواقع التواصل. حتى إن المجموعات الخاصة بهم على «فايسبوك» و«واتس أب» تضمنت نقاشاً عادياً مستنداً إلى فكرة أن السيسي باقٍ. والتعليمات التي صدرت لقواعد الجماعة سبقها منذ يومين «تقدير موقف» من خمس صفحات كتبه مكتب «الإخوان» في بريطانيا، برئاسة نائب المرشد إبراهيم منير، عن تقييم الحراك الشعبي في مصر ومستقبل السيسي. يقول التقدير بوضوح، في بعض بنوده، إن هذا الحراك «لا يرقى إلى ثورة شعبية ستطيح الرئيس... (الذي) لديه خيارات ثلاثة سوف يعتمد عليها».
الخيار الأول، وفق التقدير، هو عامل الوقت، أي «حتى يصاب القائمون على التظاهرات والداعون إليها بالملل والإحباط، ثم تختفي هذه الدعوات رويداً رويداً»، في حين أن الثاني «الاعتماد على عصا الداخلية، وهو ما ظهر بوضوح في التشديد الأمني». أما الخيار الأخير، فهو «استخدام ورقة الإرهاب لتشويه التظاهرات وإلصاقها بالإخوان، وهو ما يحدث بالفعل». يتشابك مع ذلك ما أورده الصحافي والمؤلف الأميركي مايك إيفانز، في صحيفةJerusalem Post الإسرائيلية أول من أمس، عن لقاء أجراه مع السيسي على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ قال إن الرئيس المصري أخبره أن «الفوضى التي تحدث... يقف خلفها الإخوان».
لا تفاعل إخوانياً سوى بالتغطيات الإعلامية في قنواتهم وصفحاتهم


في «تقدير الموقف» أيضاً، طالبت «الإخوان» بأنه في حال مشاركة البعض يجب ألا يكشف عن هويته السياسية حتى لا توصم التظاهرات بالأخونة، لكنها أوصت بـ«توسيع الاحتجاجات خارج مصر أمام السفارات، بالتشارك مع الرموز الليبرالية واليسارية التي تعيش هناك هرباً من بطش السلطة».
من جهة أخرى، يتحدث بعض الإعلاميين المحسوبين على «الإخوان» وقنواتهم عن «خلافات جوهرية داخل الجيش»، وأن هناك «أصواتاً عالية في الجيش الثالث ترفض استمرار السيسي»، وذلك في تكرار لأسلوب سبق أن استعملته الجماعة بعد عزل الرئيس الراحل محمد مرسي. لكن السيسي التقط هذه الإشارة وأخذها كمثال عندما لمّح إلى مضمون ما تبثه قنوات «الإخوان»، خلال حديثه إلى قناة مصرية خاصة بعد عودته من نيويورك وهو يتفاعل مع مؤيديه أمام مطار القاهرة. وقال ما مضمونه إن هذه القنوات «كاذبة وتحاول النيل من استقرار البلاد»، فيما حاولت بعض المحطات برهنة العكس ببث اتصالات من الشوارع المصرية قائلة إنها من متظاهرين يرصدون التظاهرات.
أياً يكن، لا يقلل ذلك وما مرّ في السنوات الماضية من قدرة «الإخوان» على الحشد، حتى إن لم تفلح التظاهرات، لكنّ تجنب المشاركة ما هو إلا «رسالة عقابية من الإخوان لمحمد علي الذي رفض التواصل معهم للتنسيق»، كما تقول مصادر، مضيفة إن الجماعة رأت أن علي يريد حصد ثمار سنوات من «الصمود الإخواني» في مواجهة السيسي بكل سهولة. يقول قيادي يعيش في الخارج منذ سنوات، إنه يتوقع فشل التظاهرات، وإنه نصح بعض قيادات الجماعة بفتح خط اتصال مع علي، لكنهم «رفضوا ذلك بدعوى أن الفنان هو الذي يتحتم عليه الاتصال بالجماعة صاحبة القدرة على الحشد في الشارع وليس العكس». مع ذلك، يتوقع أنه في حال إخفاق التظاهرات، ستحاول أطراف وسيطة فتح خط اتصال بينه وبين الجماعة لإنقاذ الوضع الحالي «حتى لا يصاب الشارع بالإحباط، ولا يعوّل مرة أخرى على أي محاولة تغيير يريد الإخوان تمريرها في المستقبل».