التحق الرئيس الإيراني حسن روحاني، بوزير خارجيته محمد جواد ظريف، الموجود في نيويورك منذ أربعة أيام بهدف التجهيز لمداولات روحاني هناك، فضلاً عن الخطاب السنوي الذي سيلقيه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. اجتماعات عديدة أجراها ظريف في سياق مهمته، برز منها اجتماعه بمندوبي الدول التي لا تزال موقّعة على الاتفاق النووي (4+1)، إذ لم يتجاهل الغياب الأميركي عن هذا الاجتماع، قائلاً: «هناك مقعد فارغ للولايات المتحدة في اجتماع الدول الأربع من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن»، ليعلّق بذلك تذكرة دخولها هذا الاجتماع بـ«الامتثال للقانون»، في تلميح إلى إمكانية التقاء الأميركيين من داخل مجموعة دول الاتفاق، بلا حاجة إلى لقاء ثنائي.من جهة أخرى، شكّل حضور الوزير الإيراني المبكر في الأمم المتحدة فرصة لطهران كي توصل صوتها إلى الشارع الأميركي عبر المقابلات التي أجراها مع شاشات التلفزة. هنا أيضاً، استطاع ظريف أن يلفت الأنظار مجدداً عندما تجنّب في حديثه إلى مراسلة قناة «CNN» أمانبور دات، الخوض في مطالب بلاده المعلنة للتفاوض مع الولايات المتحدة، مكتفياً بالقول إن الرئيس الإيراني مستعد للقاء نظيره الأميركي «شريطة أن يكون دونالد ترامب مستعداً لفعل ما هو ضروري». جاء هذا التصريح من قائد الدبلوماسية الإيرانية بعد أن قدم إلى الأميركيين مبادرة من بلاده تقوم على استبدال واشنطن سياسة العقوبات بالمراقبة الدائمة على المنشآت النووية. لكن ذلك لم يثقب غطاء التشاؤم المُسدل على فرص اللقاء الأميركي ــــ الإيراني، خصوصاً أن مركز صناعة القرار في طهران لم يترك هذا الحراك الدبلوماسي من دون التذكير بقرار المرشد علي خامنئي الجازم، بأن «إيران لن تتفاوض مع أميركا لا في نيويورك ولا في غير نيويورك»، وقد نُشر هذا المقتطف من كلام خامنئي عبر حسابه في «انستغرام»، بالتزامن مع إقلاع طائرة روحاني أمس.
في المقابل، لم يترك ترامب خلفه إشارات تفاؤل أو تشاؤم في ما يخص الجلوس مع روحاني، إذ اكتفى في ردّه على سؤال في هذا الشأن بالقول: «سنرى ذلك». أما الموقف الفرنسي، وإن كان قد أقرّ الرئيس إيمانويل ماكرون بأن «قواعد اللعبة تغيّرت بعد الهجمات على منشأتي نفط أرامكو»، فإنه رأى في الوقت نفسه أن «هذه الهجمات تؤكد الحاجة إلى مواصلة جهود المبادرة الفرنسية». وهو ما تبنّاه بيان لاحق للترويكا الأوروبية صدر ليلاً، رغم تحميل إيران مسؤولية الهجمات. وسبق أن توقع ماكرون أن «تشهد اجتماعات نيويورك تطورات في ما يتصل بالملف النووي»، ولذلك هو ينشط في أروقة المنظمة الدولية لدفع مبادرته إلى الأمام، حيث سيلتقي كلاً من روحاني وترامب. ومن جهة أخرى، رأى رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، أن «الوقت قد حان لإبرام اتفاق نووي جديد مع إيران»، الأمر الذي حظي بترحيب سريع من ترامب.
نشر حساب خامنئي موقفاً ضد التفاوض بالتزامن مع إقلاع طائرة روحاني


الجدير ذكره أن سفر روحاني إلى نيويورك سُبق بمجموعة نصائح قدمها بعض المسؤولين والباحثين الإيرانيين إلى رئيسهم، عبر صحيفة «رسالت» الأصولية. وجاءت النصيحة الأولى على لسان المتحدث باسم «لجنة الأمن القومي» في البرلمان، حسين نقوي حسيني، متضمّنة دعوة إلى وضع الخلافات والفتن التي زرعتها الولايات المتحدة بين دول الخليج جانباً، واستثمار الفرصة للحديث عن تمرّد واشنطن الدولي بعد انسحابها من الاتفاق النووي وفرضها عقوبات من طرف واحد على البلاد. كما شدّد نقوي حسيني على ضرورة رفض التفاوض مع واشنطن قبل عودتها إلى الاتفاق ورفع جميع العقوبات، وتجنب التفاوض مستقبلاً في أي ملف آخر. المختص في الشؤون الدولية رضا صدر الحسيني وجه النصحية الثانية، وطالب فيها روحاني بـ«إيصال رسالة السلام التي يحملها الشعب الإيراني إلى العالم، وكشف المؤامرات المستمرة التي يواجهها من إسرائيل وحليفتها أميركا التي تمارس الإرهاب الاقتصادي على هذا الشعب»، كما لفت نظر الرئيس إلى ضرورة مساءلة المجتمع الدولي حول «سعي واشنطن لتحويل الأمم المتحدة إلى كيان أميركي محلي».
أياً يكن، لم يتوقف حراك إيران الدبلوماسي عند الحد المتعلق بالملف النووي، فتطورات المنطقة التي أخذت بالتصاعد منذ الهجوم اليمني على «أرامكو»، فضلاً عن السعي الأميركي إلى إنشاء تحالف دولي لحماية مياه الخليج، دفعت طهران إلى أخذ زمام المبادرة. وبعد أن عرضت الأخيرة قبل أشهر على دول المنطقة التوقيع على معاهدة «عدم اعتداء»، ها هي تسير باتجاه تقديم مبادرة متعلقة بأمن منطقة الخليج أطلق عليها روحاني اسم «هرمز للسلام»، وقال إنه «يحمل معه هذا المشروع إلى الأمم المتحدة، لتثبيت الأمن في المنطقة»، معتبراً أنه «يمكن تأسيس التحالف في الخليج بداية بين إيران والعراق والسعودية والبحرين والإمارات وقطر وعُمان والكويت، ومن المحتمل أن يشارك اليمن أيضاً». كما أكد أن «هذا المشروع أمر جدي للغاية» لبلاده، واصفاً إياه بـ«نقطة التحول»، لأنه «ينقل المنطقة من مفهوم شراء الأمن إلى الاعتماد على الشعوب والعمل معاً لتحقيق الأمن».
لكن الفصل بين الملفّات (النووي والإقليمي وتحييد الملف الصاروخي) لا يناسب ما تصرّ عليه الولايات المتحدة التي جددت تمسّكها بالسعي إلى «مفاوضات شاملة مع إيران تشمل تطوير الصواريخ ودعم الإرهاب»، في وقت صدر فيه بيان مشترك عن ماكرون وجونسون، ومعهما المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، يطالبون فيه إيران بـ«الامتناع عن أي استفزاز جديد في الخليج».



الإفراج عن السفينة البريطانية
بعد أكثر من شهرين على احتجازها لدى الحرس الثوري، أكد السفير الإيراني لدى لندن، حميد بعيدي نجاد، الأنباء عن أن بلاده في طريقها للإفراج عن ناقلة «ستينا إمبيرو» التي ترفع العلم البريطاني والمحتجزة لديها. وقال نجاد إن السفينة «حرة الآن في المغادرة بعد اكتمال العملية القضائية والقانونية». كذلك، أعلن المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، علي ربيعي، أن طهران أفرجت عن الناقلة من دون أن يحدد موعداً لإبحار السفينة، لكنه أوضح في حديثه أمس، أن «الإجراءات القانونية انتهت... وبات بإمكانها الإبحار». وإذ لم تؤكد السلطات البريطانية الإعلان الإيراني، قال الرئيس التنفيذي لشركة «ستينا بالك»، المالكة للناقلة، إريك هانيل، «ندرك أنه تم اتّخاذ القرار السياسي بالإفراج... نأمل أن تتمكن من المغادرة في غضون ساعات».
يأتي ذلك في موازاة تصعيد كلامي بين طهران ولندن على خلفية الهجمات اليمنية ضد «أرامكو» في السعودية، إذ ردت الخارجية الإيرانية، على لسان المتحدث باسمها عباس موسوي، على تصريحات لجونسون، أسند فيها المسؤولية عن الهجمات «بدرجة عالية جداً من الاحتمال» إلى طهران. وقال موسوي: «بدلاً من المحاولات الیائسة ضد إيران، يجب علی الحکومة البريطانية أن تتوقف عن بيع الأسلحة الفتاكة للسعودية».