القاهرة | بوتيرة متسارعة، عادت الإضرابات العمالية مرة أخرى إلى المشهد السياسي المصري في أغلب محافظات الجمهورية، بما فيها تلك التي يحتفظ سكانها بالولاء لنظام حسني مبارك أو من يُسمون «الفلول» كمحافظات «البحيرة والمنوفية والغربية» التي أضرب فيها موظفو الشهر العقاري، ورصف الطرق وعمال النظافة على الترتيب.
وشملت الإضرابات قطاعات جديدة على رأسها أمناء وأفراد الشرطة في 9 محافظات، والأطباء الذين يطالبون الحكومة بإقرار «كادر» مالي جديد، أو سائقي النقل العام في القاهرة، ليسجل الأحد الماضي فقط 23 إضراباً عمالياً في مختلف المحافظات، وسط إصرار على الدخول في اعتصامات مفتوحة لحين الحصول على مستحقات مالية متأخرة أو صرف أرباح، أو تغيير إدارات الشركات التي يصفها العمال والموظفون بـ«الفاسدة»، بالإضافة إلى المطلب الرئيسي الذي التفّ حوله الجميع، وهو تطبيق الحد الأدنى للأجور الذي أعلن رئيس الوزراء المستقيل حازم الببلاوي في وقت سابق من ولايته التزامه بتطبيقه.
الدكتور أحمد تهامي، خبير العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الجنائية، اعتبر في حديث خاص لـ«الأخبار» أن تنامي ظاهرة الإضرابات والاحتجاجات الفئوية جاء نتيجة إحساس العمال بعجز وفشل الدولة، وليس الحكومة، في توفير الاستحقاقات الرئيسية اللازمة للمواطنين، وهو ما أدى إلى عودة الإضرابات مرة أخرى، وخاصة أنها كانت السمة الأبرز للفترة من 2007 - 2010 من حكم مبارك، معتبراً أن «قصور الدولة» في علاجها يساهم بشكلٍ كبير في انتشارها وتوسعها، وخاصة أن تفاعلات وتأثيرات الإضرابات الفئوية في زمن مبارك استمرت ثلاث سنوات، قبل أن تندلع ثورة «25 يناير».
واعتبر تهامي أن الاضطرابات السياسية والاحتجاجات المستمرة على مدار الفترة الماضية كلها، بالإضافة إلى الخلافات البينية والأيديولوجية بين القوى السياسية المكونة لتحالف «3 يوليو»، تضفي ظلالاً رمادية على المشهد المصري، ما أدى إلى تراجع المساعدات الدولية والخليجية المصرية، التي تدفقت على البلاد عقب إطاحة مرسي.
ولفت إلى أن استقالة الببلاوي أتت كنتيجة حتمية لعدم تمكنه من فرض خطط التوسع والإنعاش الاقتصادي، على حساب مطالبات الأجهزة الأمنية ومؤسسات «الدولة العميقة» التي تجنح دائماً إلى الحل الأمني، وهو ما يزيد من تفاقم ظاهرة الإضرابات التي تعدّ نذيراً على تمدد حالة من الضجر والتململ في أوساط قطاعات عريضة من المصريين، مؤكداً أن ما يحكم انفجار هذه الظواهر هو كلفة المواجهة العالية بين أصحاب الإضرابات ومؤسسات الدولة العميقة، إذ إن تكلفة المواجهة في هذه المرة ستكون عالية نظراً إلى كون مؤسسات القوة في الدولة المصرية طرفاً وخصماً فيها، ما يرفع من تكلفة المواجهة وهو أمر يدركه المحتجون.

دليل فشل السلطات

من جانبه، قال منسق دار الخدمات النقابية والعمالية، كمال عباس، إن عودة ظاهرة الاحتجاجات العمالية والفئوية التي حرص على تسميتها «الاحتجاجات الاجتماعية»، بعد فترة سكون طويلة نتيجة المواجهة التي خاضتها الدولة مع جماعة الإخوان المسلمين، هي أكبر دليل على فشل السلطات التنفيذية الجديدة، وخاصة أنها حصلت على أكبر فرصة بين حكومات ما بعد ثورة «25 يناير»، حيث بدأت الإضرابات بعد 7 أشهر من وصولها إلى الحكم، في حين واجهت حكومة عصام شرف الاحتجاجات الفئوية من أول يوم عمل لها.
ورأى عباس في حديث خاص إلى «الأخبار» أن هناك العديد من المسببات للموجة الجديدة من الإضرابات، على رأسها إعلان الببلاوي تطبيق الحد الأدنى للأجور البالغ 1200 جنيه، قبل أن تكشف «الإجراءات التنفيذية» للقرار أنه قرار سياسي في المقام الأول لا يوازي ارتفاع الأسعار الجنوني في الفترة التي تلت إعلان القرار في وقت مبكر من ولاية الببلاوي.
والسبب الثاني بحسب عباس هو عدم تطبيق الحكومة للاتفاق الذي تم التوصل إليه بين ممثلي الحكومة وممثلي عمال مصنع الحديد والصلب بحلوان عقب إضرابهم الذي استمر 19 يوماً، وهو ما اعتبره رسالة «شديدة السلبية» انعكست بشكل يظهر عدم ثقة العمال بالحكومة أو وعودها.
وذهب عباس إلى أن طريقة التعامل الحكومي السلبي مع العمال في ظل غياب آلية واضحة للحوار، ستصل بالطرفين إلى بوادر صدام حقيقي، لأن الإضرابات والاحتجاجات هي تعبير عن أزمة «اجتماعية حقيقية» بين طرف يسعى إلى الحصول على حقوقه، وحكومة تعاني نقصاً شديداً في الموارد.
أما القيادي في حركة الاشتراكيين الثوريين والناشط العمالي البارز، هيثم محمدين، فرأى في حديث إلى «الأخبار» أن المطالب الفئوية وإضرابات العمال كان وقعها كوقع المدفعية التي هزت أركان النظام، معتبراً أن سقوط «أول حكومات السيسي» كما سماها كانت نتيجة حتمية للإضرابات العمالية الأخيرة.