الخرطوم | بمجرد أن أعلن وزير المالية والاقتصاد في الحكومة السودانية الجديدة، إبراهيم البدوي، إطلاقه «خطة إسعافية» مدتها 200 يوم لتحقيق «التعافي الاقتصادي»، وجد تجار العملة أنفسهم في مواجهة حملة شرسة من السلطات التي نفذت اعتقالات واسعة بحقهم، بعدما كانوا قبل يوم من تلك القرارات يمارسون عملهم بحرية وفي وضح النهار. وتهدف خطة البدوي، التي تشتمل على خمسة محاور، إلى «معالجة الاقتصاد الكلي وإعادة هيكلة الموازنة، واتخاذ إجراءات ناظمة وجزائية لكبح جماح الأسعار وتثبيتها... ومعالجة مشكلات البطالة وتوفير فرص عمل للشباب».وبينما يرى محللون أن تلك الإجراءات لن تحلّ الأزمة، وإنما هي حلول مؤقتة، ينتظر الشارع أن يقطف ثمرات ثورته على أرض الواقع ويتلمّسها في وضعه المعيشي، ولا سيما مع استمرار الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية وندرة المواد البترولية، فضلاً عن ارتفاع أسعار الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية. مهمة الوزير، ومن ورائه الحكومة، عسيرة. فإلى جانب إصلاح الاقتصاد، عليهم مكافحة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، لكن الأصعب هو العمل على إلغاء الإعفاءات الجمركية والضرائبية والتسهيلات المالية الممنوحة لأفراد ورجال أعمال ينتمون إلى النظام السابق، فضلاً عن تصفية شركات استثمارية تعمل تحت مظلّة الوزارات، لكنها لا تخضع لقوانين العمل.
على الصعيد السياسي، تبقى قضايا السلام ووقف الحرب وإعادة النازحين من الملفات العاجلة التي تنتظر حكومة عبد الله حمدوك. وقد انطلقت، أمس، في عاصمة جنوب السودان جوبا، برعاية مباشرة من الرئيس سلفاكير ميارديت، جولة جديدة من المفاوضات بين الحكومة يمثلها أعضاء من «المجلس السيادي»، وبين «الجبهة الثورية» التي تضم «حركة العدل والمساواة» - جناح جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي، و«الحركة الشعبية» - شمال بقيادة مالك عقار، و«الحركة الشعبية» - قطاع الشمال بقيادة عبد العزيز الحلو. وكان لافتاً، في هذا الإطار، الحديث الإيجابي للحلو، وإعلانه استعداد حركته للتعامل مع حمدوك، و«التفاوض معه للوصول إلى اتفاق سلام شامل وعادل يخاطب جذور المشكلة السودانية». بدوره، شدد رئيس الوزراء على أن الحركات المسلحة «جزء أصيل في عملية التغيير التي شهدتها البلاد»، علماً أن من بين المشاركين من «السيادي» في اللقاءات قائد «قوات الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، إذ جاء برفقة زعيم المعارضة الجنوبي، رياك مشار، لمناقشة تنفيذ اتفاق السلام الجنوبي - الجنوبي مع سلفاكير. وقال مستشار الأخير للشؤون الأمنية، توت قلواك، إن حميدتي سيلتقي خلال الزيارة أعضاء الحركات المسلحة السودانية الموجودة في جوبا، في إطار وساطة سلفاكير.
بدا لافتاً تغير الخطاب المصري في قضية حلايب وشلاتين


على خط موازٍ، حطّت في مطار الخرطوم، أمس، طائرة وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في أول زيارة رسمية يقوم بها مسؤول مصري للبلاد في أعقاب إعلان الحكومة. وأكد بيان مشترك صدر عقب لقاء شكري وحمدوك «حرص السودان على تمتين العلاقات الأزلية مع مصر بما يخدم البلدين»، فيما قال وزير شؤون مجلس الوزراء، عمر بشير منيس، إن شكري نقل استعداد بلاده «لتفعيل آليات التعاون وتنشيطها». لكن مصدراً دبلوماسياً اعتبر، في حديث إلى «الأخبار»، أن هذه الزيارة «تودّدية، لأن المصريين يعملون على حماية مصالحهم في السودان مع أي نظام حاكم». وأضاف المصدر: «بعد أن أخفقت المساعي المصرية في إقناع المجلس العسكري بالانقلاب على الاتفاق مع الحرية والتغيير، سيسايرون النظام الديموقراطي مكرهين، إلى أن تواتيهم الفرصة ويجدوا من يساعدهم في الانقلاب». وبدا لافتاً تغير الخطاب الإعلامي المصري في قضية حلايب وشلاتين، إذ جرى لأول مرة التلميح إلى إمكانية قبول القاهرة التحكيم الدولي. ويرى المصدر أن هذا «جسّ نبض للحكومة الجديدة، لمعرفة إمكانية قبول الطرح أو رفضه في الداخل السوداني».
كذلك، التقت وزيرة الخارجية، أسماء محمد عبد الله، الضيف المصري، مبدية «حرص السودان على حسن علاقات الجوار وتقوية العلاقات مع الأصدقاء والانفتاح على الفضاء الدولي»، مقدمة الدعوة لنظيرها إلى «اجتماع اللجنة القنصلية المشتركة» و«لجنة المعابر»، إذ من المفترض التئامهما في الشهر المقبل. بدوره، جدد شكري «احترام مصر لخيارات الشعب السوداني وحرصها على استقلالية قراره، معتبراً أن «السودان تجاوز الصعوبات التي كانت تواجهه بطريقة تدعو إلى الإعجاب»، معلناً أن البلدين على مشارف بدء الربط الكهربائي بعد شهر. يشار إلى أن عبد الله قالت في تصريحات إعلامية عقب أدائها القسم أول من أمس، إن رفع اسم السودان من قائمة «الدول الراعية للإرهاب» سيكون أولى مهمات وزارتها، لأن ذلك «سيفتح الباب أمام النهضة الاقتصادية». وعن إقامة علاقات مع إسرائيل، بدا لافتاً ربطها الأمر بأن الوقت الراهن لا يسمح «لأن السودان ليس بحاجة إلى مشكلات جديدة».