حمل الأسبوع الماضي لمحافظة السويداء، في الجنوب السوري، الكثير من التوتّر والقلق. ربما كانت الاشتباكات الأخيرة التي اندلعت على مختلف جبهات جبل العرب أكثر جديّةً من سابقاتها. ومعها، شعر أبناء المحافظة الجنوبية بالخطر المحدق. الحديث عن تسخين الجبهة الجنوبية السورية صار أمراً ملموساً في الميدان، من السويداء إلى درعا، فالقنيطرة؛ إذ شنّ مسلحو «لواء عمود حوران» في «الجيش الحر» و«أجناد الشام» و«كتيبة المقداد»، ومسلحون من «جبهة النصرة» و«حركة أحرار الشام»، هجوماً، صباح الثلاثاء الماضي، على «كتيبة الكيمياء» في بلدة الدويري شمال غرب مدينة السويداء.
انطلق الهجوم من مدينة بصر الحرير شرقي مدينة درعا، مترافقاً مع قصف من راجمات الصواريخ من داخل بصر الحرير. في اليوم التالي، شنّ المسلحون هجوماً على قرية حرّان، التي تفصلها عن «كتيبة الكيمياء» بلدة ثعارة، وقتلوا أربعة مدنيين. وقبل ثلاثة أيام، شنّ المسلحون هجوماً على مطار الثعلة العسكري، غرب السويداء أيضاً، من دون تحقيق نتائج تُذكر.
وبالتزامن مع اشتعال الجبهة الغربية، شهدت الجبهة الشرقية للسويداء، المطلّة على منطقة الأصفر في البادية السورية، تعطيل مسلحين عدداً من آبار المياه مقابل بلدة الرشيدة، وإطلاق النيران من الرشاشات على بلدة تيما؛ إذ تطل قرى السويداء في الشرق على خطّ التهريب الرئيسي للمسلحين والسلاح من الحدود الأردنية في اتجاه الغوطة الشرقية لدمشق ومدينة الضمير، وكذلك في اتجاه العمق السوري، وهو خط يزداد نشاطاً منذ أكثر من شهر. وتخشى المصادر الأهلية من أن يكون «تدمير آبار مياه الشرب يهدف إلى تهجير القرى الشرقية لتأمين خطوط إمداد المسلحين، وتشكيل خلفية قريبة للانطلاق في اتجاه مدينة دمشق؛ إذ تغذي الآبار كل المنطقة الشرقية بالمياه، والقرى لا تستطيع الحياة من دونها، وخصوصاً في ظلّ شح الأمطار هذا العام». ردّ فعل الجيش السوري واللجان الشعبية والقوى التي تقاتل إلى جانبه كان عنيفاً هو الآخر، «ما يعكس جديّة في تقدير الخطر المقبل»، كما تقول مصادر عسكرية ميدانية لـ«الأخبار». وتوضح هذه المصادر أن «الجيش تنبّه مسبقاً، ولم يسمح بحصول ما حدث في كتيبتي التسليح والنقل قبل أشهر، فحَوَّل كتيبة الكيمياء إلى كمين، إثر معرفته مسبقاً بحدوث الهجوم، وتمكنت الطائرات الحربية من قتل عدد كبير من المسلحين». وفي الهجوم على حرّان، تقول مصادر أهلية إنه «جرى صدّ الهجوم، لكن المسلحين قتلوا أربعة مدنيين جراء القصف والقنص على البلدة». وتشير المصادر العسكرية إلى أن «الجيش تعامل مع حشود المسلحين حول مطار الثعلة عن بُعد، وأجبرهم على الانسحاب، وحركة الطائرات في المطار عادية».
الصخب في الميدان، واشتداد المعارك في درعا والقنيطرة، يفعلان فعلهما في جبل العرب؛ فالسويداء التي كان يظللها قبل عامٍ حياد خجول، باتت اليوم في صلب معركة الجنوب السوري. تلحظ المرجعيات الدينية والقوى الحزبية ومراكز الثقل الرسمية في المحافظة والأجهزة الأمنية السورية، مدى «الضخ الإعلامي» الذي بدأت تبثّه أخيراً القوى المعارضة للدولة السورية، ليس في قرى الجبل ذات الغالبية المنتمية إلى طائفة الموحدين الدروز فحسب، بل حتى في صفوف المغتربين الدروز الذين يشكلون جزءاً غير قليل من أبناء جبل العرب. وهذا الضّخ، لم يعد في سياق تحريض الدروز على النظام السوري عبر خلق مظلومية تاريخية. بل يعمل اليوم على «بناء هويّة درزية متقوقعة خارج الهوية السورية، وإيهام الدروز وغيرهم بأن الدولة السورية تتفكّك، وأن هناك ضرورة للبحث عن معادلات جديدة تحفظ مستقبلهم كفئة»، كما تقول مصادر فاعلة في المؤسسة الدينية. وتشير إلى أن «إسرائيل أيضاً تستغلّ وتحرّك الأحداث في الجنوب بتعاون أميركي ـــ أردني لإعادة ترتيب حدود الكيان الشمالية مع سوريا ولبنان، وتشكيل قوس جنوبي يُسقط الدولة المركزية السورية».
وتقول مصادر أمنية مطلعة إن «إسرائيل حرّكت عملاء لها منذ فترة، من ذوي أصول عربية درزية من فلسطين ولبنان وسوريا، لتسوّق نفسها على أنها جهة داعمة بديلة للدروز في حال تفكُّك الدولة السورية». وترى المصادر وجود «حاجة استراتيجية إسرائيلية لتحريك ملفّ التفكيك في الجنوب السوري، بعد الانكفاء الذي أصابها إثر الانسحاب من جنوب لبنان، حتى ما قبل الأزمة السورية». لكنّها تستغرب «المصلحة الأردنية في مشاريع كهذه، فمن المؤكد أن التفكيك في الجنوب السوري سيحرّك ملفّ الهويات في الكيان الأردني ذاته مستقبلاً».
كلّ هذا، يدفع مراكز القوى إلى تظهير موقف المحافظة وخياراتها أكثر من ذي قبل. «لا خيار أمام السويداء سوى الدولة السورية المركزية القويّة»، تقول المصادر الدينية. ولا يقف العمل على المواقف، على ما تؤكّد أكثر من جهة مؤثرة في المحافظة، بل يتعداها إلى «تهيئة أرضية قرى جبل العرب لضرورة تعاون مختلف الفئات الشعبية في السويداء وانخراطها في الدفاع عن القرى إلى جانب الجيش». تدرك السويداء أن ثمن تأمين خلفية جغرافية وديموغرافية لدمشق والدولة السورية سيكون مكلفاً. وعلى ما يشير إليه سياق الأحداث، فإن ما رفضه الأميران حسن الأطرش في الخمسينيات، وسلطان الأطرش في العشرينيات، تحاربه السويداء من جديد.

يمكنكم متابعة فراس الشوفي عبر تويتر | @firasshoufi