بغداد | في ظل استمرار العمليات العسكرية الدائرة في محافظة الأنبار العراقية، التي يقودها رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي، يظل المشهد السياسي المقبل رهن الغموض، بفعل التجاذبات والصراعات المتفاقمة التي تأخذ ألواناً مختلفة سياسية وطائفية.
فلا يزال رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني، متربصاً بلحظة إسدال الستار على الانتخابات التشريعية في نيسان المقبل، والشروع بتشكيل الحكومة المقبلة، كي يثقل كاهل غريمه (المالكي) الطامح إلى ولاية ثالثة بأي ثمن، فيما يبدو رئيس البرلمان وزعيم أكبر كتلة سنية (متحدون) أسامة النجيفي، مزهواً باستحصاله على إدانة من الكونغرس الأميركي لسياسات رئيس الوزراء تجاه شركائه، وذلك بعدما تمخضت زيارته الأخيرة لواشنطن، عن قيام لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس في 6 شباط الحالي، بتحميل المالكي مسؤولية اللعب بالورقة الطائفية وتهميش السنّة وعشائر الأنبار والتلكؤ في ضم قوات العشائر إلى قوات الجيش والشرطة.
وفي هذا الأمر يقول مصدر من داخل التحالف الوطني الذي يرأسه رئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري، لـ«الأخبار»، إن «التحالف لم يقف بالضد من طموحات المالكي الانتخابية في هذه المرحلة، لكون المعركة التي يقودها هي ضد عدو مشترك لجميع العراقيين، هو تنظيم «داعش» المرتبط بالقاعدة، إلا أنه في ذات الوقت لا يناصره في جميع المواقف».
ويبين المصدر أن «ما يدور حالياً يقع ضمن ثلاث دوائر. الدائرة الأولى: الضوء الأخضر الأميركي، والولايات المتحدة لا تحسم قرارها إلا في اللحظات الأخيرة، مع موازنة التنازلات والضمانات الأخيرة، وهذا ما يعمل عليه النجيفي بقوة من أجل عرقلة تولي المالكي لولاية ثالثة، حيث طلب النجيفي خلال زيارته الأخيرة من البيت الأبيض رسمياً وقف تسليح الجيش العراقي، لأنه مضر بالبلاد، لأنها لم تصل إلى درجة التوافق الحقيقي، وتحقيق الحالة الوطنية، بل ما زالت السلطة مكرّسة بيد رجل واحد، وأن المالكي يمارس التسلط والإقصاء ضد شركائه السياسيين»، موضحاً: «في الحقيقة، إن النجيفي كان يرمي إلى إضعاف حظوظ المالكي الانتخابية؛ لأنه إذا ما نجح في العمليات العسكرية التي يقودها، فإن شعبيته سترتفع داخل الأوساط الشعبية، وخصوصاً الشيعية، وبالتالي ستكون ورقته هي الأقوى بين مرشحي التحالف الوطني (الشيعي)»، ويؤكد أن «هذا الأمر لاقى قبولاً لدى بعض الأطراف داخل الولايات المتحدة»، على حد تعبيره.
ويردف المصدر: «أما الدائرة الثانية وهي إيران، فترى لحد الآن في المالكي الرجل المناسب لها في العراق، وخصوصاً بعد تجاوزه بنجاح ملفي سوريا والعلاقة المتوازنة مع الولايات المتحدة. إلا أنها ما زالت لم تعط المالكي الضوء الأخضر بعد، كذلك فإنها في ذات الوقت لم تشهر بوجهه الأحمر».
ويتابع: «إن الدائرة الثالثة، وهي المرجعية الدينية في النجف الأشرف، بدأت تميل إلى التغيير وترشيح الشخصيات المستقلة الكفوءة والنزيهة، ولا تحبذ بقاء الوجوه الحالية، وقد وجهت بذلك رسالة إلى التحالف الوطني»، لافتاً إلى أن «اللوبي المرتبط بالمرجعية والمنضوي في ائتلاف دولة القانون، والذي يمثله نائب رئيس الوزراء حسين الشهرستاني، والمتحدث السابق باسم الحكومة علي الدباغ، يعاني من ضعف كبير الآن داخل أوساط المرجعية، وبالتالي إن وضع الأخيرة لا يؤهلها الآن لدعم ترشيح المالكي لولاية ثالثة».
غير أن رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية واثق الهاشمي، رأى في اتصال هاتفي مع «الأخبار»، أن «حظوظ المالكي قوية في الانتخابات المقبلة لجهة أن رئاسة الوزراء في العراق لا ترتبط بالتصويت فقط، بل إن هناك عدة قضايا، وهي أن يحظى أي مرشح عراقي لرئاسة الوزراء بموافقة دولتين، هما أميركا وإيران»، مشيراً «وأنا أعتقد بأن حظوظ السيد المالكي بين الغرماء هي الأعلى، باعتبار أن كل منافس يقبل بأحد طرفي المعادلة (أميركا وإيران) فقط، بما لا يؤهله لموقع الموازنة بين الطرفين».
ويضيف الهاشمي: «فضلاً عن وجود دعم دولي وأميركي قوي للعراق في مكافحة الإرهاب، وأن واشنطن ربما كانت ترى في السيد المالكي رجلها في العراق، بالرغم من وجود صراع كبير داخل المشهد السياسي»، لافتاً إلى أن «الانتخابات المقبلة ستكون هي الأصعب، لأنه لن يستطيع أحد بمفرده تحقيق الأغلبية السياسية، لذا سنشهد حكومة شراكة وطنية ضعيفة مبنية على عدد التنازلات المقدمة من قبل جميع الأطراف».
أما شيعياً، فقد تلقى المالكي هدية من السيد مقتدى الصدر، الذي قرر منذ فترة قصيرة اعتزال الحياة السياسية نهائياً، معلناً فك ارتباطه بكتلة الأحرار النيابية التي كان يتزعمها. وبالنظر إلى موقعه السابق كأهم معارض للمالكي في البيئة العراقية الشيعية، شكلت استقالته من دون شك هديةً لم يكن يحلم بها نوري المالكي.