أدى الفريق أول عبد الفتاح البرهان وتسعة آخرون قسَم اليمين، الأول رئيساً لـ«مجلس السيادة»، والبقية أعضاءً، أمام رئيس القضاء، عباس علي بابكر. وبينما أدى البرهان اليمين، مرتدياً الزي العسكري في مراسم في القصر الجمهوري في العاصمة الخرطوم أمس، أدى تسعة أعضاء القسَم في وقت لاحق بعده، فيما لم يعرف سبب تغيّب العضو الأخير محمد حسن التعايشي. بذلك، سيدير هذا المجلس المُشكّل حديثاً البلاد لمرحلة انتقالية تمتدّ لثلاث سنوات حتى إجراء انتخابات، على أن يحلّ مكان المجلس العسكري الانتقالي الذي كان يرأسه البرهان أيضاً وحكم منذ إطاحة الرئيس عمر البشير. والأعضاء العسكريون الذين أدوا اليمين، هم: الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والفريق الركن شمس الدين الكباشي، والفريق الركن ياسر العطا، واللواء الركن إبراهيم جابر كريم. أما المدنيون، فهم: حسن محمد إدريس، والصديق تاور، ومحمد الفكي سليمان، وعائشة موسي، ورجاء نيكولا عبد المسيح، وقد عقدوا جميعاً اجتماعاً مغلقاً عقب القسم.
تاريخ أعضاء المجلس
وفق معلومات صحافية، الفكي حاصل على ماجستير في العلوم السياسية من جامعة الخرطوم، وقد بدأ العمل السياسي في الجامعة ضمن «الحزب الاتحادي الديموقراطي». أما تاور، فهو قيادي سابق في حزب «البعث»، وحالياً أكاديمي متخصص في شؤون البيئة. العضو الثالث، موسي، تحمل الماجستير في الإنكليزية من جامعة مانشستر البريطانية، وتعدّ من رائدات الحركة النسوية في البلاد وعدد من منظمات المجتمع المدني. ولعلّ إدريس، وهو قيادي سابق في حزب «الأمة»، صاحب التجربة السياسية الأبرز، لكونه شغل منصب وزير الإسكان والأشغال العامة حتى عام 1989. المرشح المتغيب، التعايشي، هو أيضاً قيادي في «الأمة»، ورئيس سابق لـ«اتحاد طلاب جامعة الخرطوم». أما العضو الأخير الذي جرى التوافق عليه في الساعات الأخيرة، عبد المسيح، فهي أول قبطية تتولى عضوية «السيادي» وتعمل مستشارة في وزارة العدل منذ 2005.
لم يعرف بعد سبب تغيب محمد حسن التعايشي عن القسَم


بالنسبة إلى العسكريين، جاء رئيس المجلس، البرهان، خلفاً لوزير الدفاع، الفريق عوض بن عوف، الذي استقال من منصبه بعد يوم واحد فقط من توليه رئاسة «العسكري» وعزله البشير. مع ذلك، لم يكن اسمه بارزاً في المشهد السياسي سابقاً، بل عُرف بأنه «عسكري مُنضبط، تدرج في مختلف المراتب العسكرية منذ خدم في الجيش ضابطاً في سلاح المشاة، حتى أصبح قائداً للقوات البرية». لكنه كان مشرفاً على مشاركة قوات بلاده في حرب اليمن ضمن «التحالف» الذي تقوده السعودية، بالتنسيق مع «قوات الدعم السريع» بقيادة «حميدتي».
الأخير كان الأكثر إثارة للجدل في الأشهر الماضية، وهو الذي جاء من خارج المؤسسة العسكرية أو الأحزاب السياسية التقليدية، لكنه أحد العناصر الأساسية التي أطاحت الرئيس الأسبق بعدما قرّبه الأخير إليه ودعمه، بل أضفى الشرعية على الميليشيا القبلية (الرزيقات) التي كان يقودها، ودمجها في المؤسسة العسكرية تحت اسم «الدعم السريع». و«دقلو» ترك الدراسة في عمر مبكر ليعمل في تجارة الإبل بين ليبيا ومالي وتشاد، فضلاً عن حماية القوافل التجارية من قطاع الطرق في مناطق قبيلته. ويقال إنه جنى ثروة كبيرة من عمله في التسعينيات، ما مكّنه من تشكيل ميليشيا خاصة به تنافست مع ميليشيات قبلية أخرى، ثم عند اكتشاف الذهب في جبل عامر سيطرت ميليشياته على مناجمه.
أما الفريق الركن الكباشي، فعُيّن في التعديلات التي أجراها البشير في شباط/ فبراير الماضي في منصب رئيس «هيئة العمليات العسكرية المشتركة»، علماً أنه كان قد تدرج في المناصب ونال رتبة فريق ركن مطلع 2017، وأخيراً كان الوجه الأبرز لإعلان بيانات «الانتقالي» في وسائل الإعلام. وبالنسبة إلى الفريق الركن العطا، هو سليل عائلة عسكرية، إذ كان عمه الأكبر الهاشم قد أعدم إثر اتهامه بتنفيذ محاولة انقلابية بالتحالف مع الحزب الشيوعي لإطاحة نظام الرئيس جعفر النميري. ورُقّي العطا إلى رتبة عميد في 2007، وعُيّن في منصب الملحق العسكري في السفارة السودانية في جيبوتي، ثم رُقّي إلى رتبة فريق في التعديلات الأخيرة نفسها. وأخيراً اللواء الركن كريم، الذي تولى رئاسة اللجنة الاقتصادية في «العسكري»، وقد كان يشغل منصب قائد القوات البحرية، وهو يحمل إلى جانب رتبته شهادة في الهندسة.

من هو رئيس الوزراء؟
بالانتقال إلى حمدوك، هو خبير في الاقتصاد، وقد تولى مناصب في مؤسسات دولية، علماً أن ترشيحه جاء عبر قوى «إعلان الحرية والتغيير». الرجل الستيني يحمل شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة مانشستر في بريطانيا، وسبق أن بدأ مسيرته المهنية عام 1981 عقب تخرجه في جامعة الخرطوم، بالعمل في وزارتي المالية والزراعة في بلاده، قبل أن يغادر إلى زيمبابوي لتقديم الخدمات الاستشارية والإدارية. ثم في 1995 صار كبير المستشارين الفنيين في «منظمة العمل الدولية» في جنوب أفريقيا وموزامبيق، قبل أن يلتحق بين 2001 و2003 بـ«اللجنة الاقتصادية لأفريقيا» التابعة للأمم المتحدة، إلى أن شغل منصب كبير الاستشاريين في «بنك التجارة والتنمية» في أديس أبابا. وفي 2018، رُشِّح حمدوك لتولي حقيبة المالية في حكومة معتز موسى، لكنه اعتذر عن المنصب الذي اختاره له البشير.
وعلى رغم التناسبية التي يحظى بها «السيادي»، والنسبة الأعلى للمدنيين في الحكومة والبرلمان المقبلين، يظهر أن سيرة العسكريين المختارين في المجلس أقوى، وأن علاقاتهم الداخلية والخارجية متشعبة وذات أهمية أكثر من المدنيين، خاصة أنه لا يبدو أن هناك تغيراً كبيراً سيطرأ على السياسة الخارجية. وكان لافتاً حضور مسؤولين من دول الإقليم خلال احتفالات توقيع الاتفاق، ولا سيما من مصر والسعودية وتركيا، بل جاءت معظم تصريحات هذه الأطراف داعمة للتوافق الأخير، على رغم اختلاف سياساتها الخارجية بشدة.