في صيف عام 2019، بلغت سمعة الطائرات المسيّرة القتالية التي تصدّرها الصين مستويات جديدة، بالمعنيين الإيجابي والسلبي، إذ تزايد عددها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث نفّذت مئات الهجمات المميتة في مصر وليبيا ونيجيريا واليمن. لكن تحيط شكوك حول موثوقية تلك الطائرات. فيما تسعى كلّ جيوش العالم لتحصيل طائرة استطلاع مسيّرة قادرة على الاشتغال لفترات طويلة، لم تملك حتى فترة قريبة سوى حفنة قليلة طائرات قتالية مسيّرة قادرة على شنّ هجمات فتاكة. يعود ذلك إلى تقييد واشنطن، حتى عام 2018، تصدير طائراتها المسيّرة (إم كيو 9 ـ الحصّادة) عبر «سياسة نقل الأسلحة التقليدية» خوفاً من إساءة استخدامها. على العكس من ذلك، لا تأبه الصين وإسرائيل لهوية من يشتري طائراتهما المسيّرة، أو طريقة استخدامها. وفقاً لسجلات «معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام»، صدّرت الصين 163 طائرة قتالية مسيّرة إلى 13 بلداً بين عامي 2008 و2018 مقابل تصدير 15 «إم كيو 9»، ما جعل مصنعي الأسلحة الأميركيين يشتكون من عجزهم عن منافسة نظرائهم الصينيين الذين يكنزون الثروات. ذلك صحيح، ففي انتهاك لحظر الأسلحة المفروض من الأمم المتحدة، نشرت الإمارات العربية المتحدة طائرات «وينغ لوونغ 2» مسيّرة صينية الصنع في قاعدة الخادم بليبيا على نحو شبه مكشوف، وذلك لدعم «الجيش الوطني الليبي»، وهو جيش متمرّد يحارب حكومة «الوفاق الوطني» المتركزة في طرابلس.
في 4 آب/ أغسطس، أطلقت إحدى الطائرات المسيّرة التي تديرها الإمارات صواريخ «بلو آرو 7» مضادة للدروع وموجّهة بالليزر (صينية الصنع) خلال غارة مزدوجة على قاعة بمدينة مرزق تجمع قبيلة موالية لحكومة «الوفاق الوطني»، ما أدى إلى مقتل 46 شخصاً. الضربة الثانية قتلت ضيوفاً كانوا يحضرون حفل زفاف وهبّوا لمساعدة جرحى الضربة الأولى. قبل ذلك، في نيسان/ أبريل 2018، أطلقت «وينغ لوونغ 2»، تديرها السعودية، صاروخ «بلو آرو» لاغتيال القيادي الحوثي صالح علي الصماد.
واشنطن ليست في مكانة تسمح لها بإلقاء مواعظ أخلاقية، فهي رائدة استخدام الطائرات القتالية المسيّرة في عمليات قتل دقيقة، وفي حملات جوّية ذات قواعد اشتباك فضفاضة تجعل جميع الذكور القادرين على حمل السلاح أهدافاً محتملة. استخدام هذه التكتيكات ممكن فقط لأن الطائرات القتالية المسيّرة، على عكس الطائرات القتالية التقليدية، يمكنها الطواف فوق مناطق القتال بسرعات بطيئة لساعات طويلة، منتظرة ظهور الأهداف دون المخاطرة بحياة من يسيّرها، إضافة إلى انخفاض تكلفة تشغيلها. يفسّر ذلك تلهّف العديد من البلدان لامتلاك هذا الصنف من الطائرات.
يهيمن طرازان اثنان من الطائرات القتالية المسيّرة المتوسطة المدى العالية التحمّل على صادرات الصين: «وينغ لوونغ» الذي تصنّعه «مجموعة شينغدو لصناعة الطائرات»، و«كاي هونغ ـ رينبو» التي تصنّعه «شركة علوم وتكنولوجيا الطيران».
طوّرت الشركتان تدريجاً نماذج أكبر حجماً وأكثر قدرة على حمل أسلحة وأجهزة كشف، وحسّنتا الربط بالأقمار الصناعية لزيادة مسافة التشغيل، ووضعتا محرّكات أقوى تسمح بالطيران مسافة أعلى وأبعد لفترات أطول. ظهرت «وينغ لوونغ»، التي يشبه ذيلها حرف «V»، عام 2010. وهي تمثّل أصل نجاح الصين في تصدير الطائرات القتالية المسيّرة، إذ بيع منها بين 60 و100 قطعة لدول أخرى. بداية، دمجت «وينغ لوونغ 1» القدرة على حمل أسلحة مع أجهزة استشعار لتحديد أهداف وتوجيه الصواريخ نحوها. أما «وينغ لوونغ 2»، فتشمل راداراً للمسح الأرضي وقدرة على حمل 12 صاروخاً، ويمكنها الإقلاع والهبوط في مدارج قصيرة دون إدارة بشرية.
استخدمت السعودية والإمارات «وينغ لوونغ» بكثافة لتنفيذ غارات في اليمن، بينما استخدمتها مصر لقتل المتمرّدين في سيناء. عام 2017، عقدت السعودية صفقة بقيمة 10 مليارات دولار لتصنيع 200 «وينغ لوونغ 2» محلّياً. برمجت «شركة الطيران الباكستانية» مسار إنتاج محلّي مشترك لنحو 48 «وينغ لونغ 2».
بداية عام 2018، قالت صحيفة «ساوث تشاينا مورنينغ بوست» إن «شركة علوم وتكنولوجيا الطيران» صدّرت 30 طائرة من طراز «سي آتش 4 ـ بي» المطوّرة من «وينغ لوونغ» ضمن صفقات تبلغ قيمتها 700 مليون دولار. وتزعم الشركة المصنّعة أنّ هذا الطراز أجرى أكثر من ألف طلعة، استغرقت كلّ منها معدّل 20 ساعة، وأطلق خلالها أكثر من 400 صاروخ بدقة تصل إلى 96 %. يُنظر إلى الطائرات المسيّرة الصينية على أنّها غير متطوّرة مقارنة بنظيرتها الأميركية في ما يتعلّق بمتانة روابط القيادة وارتفاع مسافة التشغيل. قد تفسّر العامل الأخير الخسائر التي تلقاها الطائرات المسيّرة الصينية من النيران الأرضية، إذ أسقطت طائرات «وينغ لوونغ» في ليبيا واليمن، لكنها تكلّف ربع سعر نظيرتها الأميركية أو أقل.
من المبكّر القول إن آراء الصحافة السلبية تنذر بتراجع صادرات الطائرات القتالية المسيّرة الصينية، إذ تواصل الشركتان المصنّعتان عرض نماذج أكبر وأكثر اقتداراً. مع ذلك، قالت إدارة ترامب عام 2018 إنّها ستفتح مبيعات هذا الصنف من الطائرات. ورغم السعر المرتفع للطائرات المسيّرة القتالية الأميركية، قد ينتهز حلفاء واشنطن التقليديّون في الشرق الأوسط الفرصة لتحصيل دعم سياسي واقتناء منصّة أكثر موثوقية واقتداراً. وعلى الرغم من أنّ ذلك يمثّل هبة لصانعي الأسلحة الأميركيين، فإنه يعني كذلك أن واشنطن ستكون مسؤولة عن طرق استخدام زبائنها للطائرات المسيّرة والتعامل مع نتائجها.
(سيبستيان روبلين ــــ «ناشونال إنترست»)