الخرطوم | حسمت قوى «إعلان الحرية والتغيير» مرشحها لرئاسة الوزراء بعد توافقها على الخبير الاقتصادي، عبد الله حمدوك، ليدير دفة العمل التنفيذي في البلاد خلال الفترة الانتقالية الممتدة لثلاث سنوات وثلاثة أشهر، فيما لم يحسم المجلس العسكري ولا التحالف المعارض ملف الترشيحات للمجلس السيادي الذي يمثل سيادة الدولة خلال الفترة نفسها. ومثلما التزم الصوم عن التصريحات الإعلامية طوال أيام فترة الحراك الشعبي، بقي رئيس الوزراء المرشّح على صمته حتى بعد إعلان ترشيحه رسمياً، إذ لم يصدر عنه أي تصريح بقبول الترشيح أو رفضه. وبحسب القيادي في «قوى الحرية والتغيير»، محمد ناجي الأصم، فقد أُبلِغ حمدوك باختياره لمنصب رئيس الوزراء، ما يقتضي عودته إلى البلاد خلال أيام. وعلى رغم غيابه عن المشهد الداخلي، إلا أن الرجل الموجود في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا يحظى بقبول شعبي عريض، تكوّن منذ رفضه تولّي حقيبة المالية والاقتصاد في حكومة رئيس الوزراء، معتز موسى، إبان حكم الرئيس المخلوع، عمر البشير.ومن المنتظر أن يُحسم ملف ترشيحات المجلس السيادي من قِبَل قوى «الحرية والتغيير» خلال أقل من 24 ساعة. إذ إنه وفقاً للإعلان الدستوري، يجب تعيين المجلس السيادي في 18 آب/ أغسطس الجاري، أي بعد يوم واحد من التوقيع على الاتفاق النهائي، وفي أعقاب حلّ المجلس العسكري. ويقول القيادي في التحالف المعارض، خالد عمر، لـ«الأخبار»، إن «التشاور ما زال مستمراً داخل هياكل قوى الحرية والتغيير للتوافق على مرشحي المجلس السيادي، وسيُعلَن المرشحون حال التوافق عليهم». ورشحت تسريبات عن اختيار كلّ من حسن شيخ إدريس عن «قوى نداء السودان»، وصديق تاور عن «قوى الإجماع الوطني»، وفدوى عبد الرحمن علي طه عن «التجمع المدني»، ومحمد حسن التعايشي عن «تجمع المهنيين السودانيين»، ومحمد الفكي سليمان عن «التجمع الاتحادي». وفي هذا الإطار، بدا لافتاً دفع «تجمع المهنيين» بمرشحه على رغم إعلانه عدم المشاركة في هياكل السلطة خلال الفترة الانتقالية، والاكتفاء بالدور الرقابي. ويرى مراقبون أن «قوى الحرية والتغيير» اعتمدت في ترشيحاتها على مبدأ تمثيل كل أقاليم السودان، وقد تكون آلية الاختيار هذه هي التي دفعت «تجمع المهنيين» إلى تقديم المرشح التعايشي الذي تعود جذوره إلى إقليم دارفور.
في الأثناء، خرجت تسريبات من المجلس العسكري تؤكد ترشيح أعضائه الخمسة ــــ رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والفريق شمس الدين كباشي، والفريق صلاح عبد الخالق، والفريق ياسر العطا ــــ لشغل حصته في المجلس السيادي. لكن هوية العسكري الذي سيتولى رئاسة الأخير لم تُحسم بعد بحسب مصادر مطلعة، كذلك فإن أمر المرشح الـ11 في «السيادي»، الذي من المفترض أن ترشحه «قوى الحرية والتغيير» ويوافق عليه العسكر، لا يزال معلّقاً. وتعكف لجنة خماسية، أغلب أعضائها من هيئة التدريس في جامعة الخرطوم، على دراسة الترشيحات التي يدفع بها التحالف المعارض للمجلس السيادي، وأيضاً مجلس الوزراء، حيث تكفي إشارة صغيرة لعمل المرشح أو انتمائه في أي مرحلة من مراحل حياته العملية للنظام السابق للدفع به خارج دائرة الترشح.
من المنتظر أن يُحسم ملف ترشيحات المجلس السيادي خلال أقل من 24 ساعة


ويقدّر محللون أن مهمة رئيس الوزراء المقبل لن تكون سهلة. فهناك عدد من الملفات الشائكة التي تنتظره، أبرزها الملف الاقتصادي، حيث تعاني البلاد من ارتفاع في معدلات التضخم، بالإضافة إلى ندرة في الوقود، والفساد المستشري في كل مفاصل الدولة. ويرى المحلل السياسي، حاج حمد، في حديث إلى «الأخبار»، أنه «يجب على الحكومة المقبلة نقل الاقتصاد على وجه السرعة من اقتصاد الصادرات إلى اقتصاد الأمن الغذائي، ودعم القطاع الزراعي، وخاصة منتجي الذرة، وذلك للخروج من شبكة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي». ويعتقد محللون أن شخصية حمدوك، ذات الأبعاد الدولية، ستخدم المرحلة المقبلة، ولا سيما أن حجم الديون الخارجية على البلاد فاق الـ50 مليار دولار. وفي هذا الإطار، يرى حمد أن «ثقة المؤسسات الاقتصادية الدولية في شخص حمدوك مهمة في المرحلة المقبلة، لكن يجب أن تكون سياسته الخارجية حاسمة مع الدول الكبرى، وأن يُقدّم في سياسته المصالح الوطنية على النظام العالمي».
وعلى الرغم من أن مهمة اختيار رئيس الوزراء مُنحت للتحالف المعارض، إلا أن قطاعات كبيرة من الشارع تخشى من أن يُحيَّد رئيس الوزراء عن الأهداف الموضوعة ضمن «إعلان الحرية والتغيير». لكن حاج حمد يعتقد أن الفرصة لا تزال سانحة أمام «قوى الحرية والتغيير» خلال الفترة الانتقالية، إن لم تنشغل بالوظائف، ووثّقت علاقتها بالشارع، وأحكمت القبضة على أجهزة إنفاذ القانون، التي تجب تقوية أجهزة إنفاذ العدالة حتى تُلزِم الأولى بقوانينها، وتقلّل بالتالي من تأثيرها في السياسة. ويستدرك بأنه «كان على قوى الحرية والتغيير اعتماد مبدأ الشفافية في الترشيحات، وأن يُسمى المرشحون قبل وقت كافٍ للشارع حتى يطمئن، ويمنحها هي معياراً عالياً من الثقة لدى الشارع».