لا توافق بين واشنطن وأنقرة على تفاصيل مشروع «المنطقة الآمنة». هذا ملخّص ما رشح عن سلسلة الاجتماعات التي عقدها ممثل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السورية والمبعوث الأميركي إلى «التحالف الدولي»، جايمس جيفري، في تركيا خلال الأيام القليلة الماضية. الزيارة اللافتة في توقيتها لم تكن مفتاحاً لحلحلة عُقد التوافق على مصير مناطق شرقيّ الفرات الحدودية، بل مناسبة جديدة لتثبيت التباينات الأميركية ـــ التركية. ولأن هذه التباينات تتخطى ملف شمال شرق سوريا إلى مصالح إقليمية واستراتيجية، يبدو تحقيق التفاهم على حلّ يرضي الطرفين ويناسب تموضعهما وتحالفاتهما معلّقاً إلى حين. وتؤدي خطوات واشنطن المتسارعة لتنفيذ مشروع «القوات المتعددة الجنسيات»، بالشراكة مع «قوات محلية»، دوراً بارزاً في دفع أنقرة إلى استخدام ورقة التهديد بالتصعيد العسكري، وتجييش بعض القوى «المحلية» ضد خط «قوات سوريا الديموقراطية»، في محاولة لتعجيل حسم عملية التفاوض.وأعلنت أنقرة، أمس، بوضوح، أن ما حمله جيفري من عروض جديدة «لم يكن مرضياً». وذكّر وزير خارجيتها، مولود جاويش أوغلو، بالتباطؤ الأميركي المقصود في تطبيق «اتفاق منبج»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن التأخير في التوافق على «المنطقة الآمنة» قد يدفع بلاده إلى إطلاق تحرك عسكري. وكشفت مصادر وزارة الخارجية التي تحدث إليها عدد من وسائل الإعلام التركية أن «العرض المقدم من جيفري، أقلّ (إرضاءً لأنقرة) من المقترح الأولي الذي قدمه الرئيس دونالد ترامب، والذي كان يفترض إنشاء منطقة آمنة بعمق يصل إلى 30 كيلومتراً». وأضافت تلك المصادر أن الجانب الأميركي قدّم تصوراً لجدول أعمال يمتد لفترة طويلة، وأن طول المدة ولّد خوفاً من تكرار ما جرى خلال تنفيذ «خريطة الطريق» الخاصة بمنبج، من تعثّر. وعن الفريق العسكري المشترك الذي قيل إنه يعمل على دراسة تفاصيل هذا الملف، أشارت المصادر إلى أن «ما يجري بحثه على هذا المستوى، هو مقترحات الدوريات المنسّقة أو المشتركة، ونقاط المراقبة المحتملة».
أنقرة: إنشاء «المنطقة الآمنة» لن يحصل إلا من خلال خطة تلبي تطلعاتنا


وأوضح وزير الخارجية، جاويش أوغلو، أن «الأمر المختلف (عن جولات التفاوض السابقة)، أن هناك أفكاراً جديدة حول هوية من سيجري إشراكهم في (حماية) المنطقة الآمنة، والدوريات المشتركة»، مضيفاً في الوقت نفسه أن «أشد المواضيع حساسية بالنسبة إلى أنقرة، عمق تلك المنطقة الآمنة، وإبعاد حزب العمال الكردستاني وقوات حماية الشعب الكردية منها... ولم نتوصل إلى اتفاق بشأن هذه القضايا». وبيّن أن «مقترح الولايات المتحدة الجديد لإقامة منطقة آمنة في شمال شرق سوريا يشبه إلى حدّ كبير النموذج المتبع في منبج»، مشيراً إلى أن «خريطة منبج لم تتحقق بالكامل، على الرغم من مرور أكثر من عام على الاتفاق بشأنها». وشدد على الحاجة إلى التفاهم في أقرب وقت ممكن، لأن تركيا «نفد صبرها». وبالتوازي، قال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، للمبعوث الأميركي، إن إنشاء «المنطقة الآمنة» لن يحصل إلا من خلال خطة تلبي تطلعات أنقرة. وجاء ذلك خلال اجتماع عقده قالن مع جيفري، أمس، في المجمع الرئاسي التركي. وشدد قالن، خلال اللقاء، على «أولويات الأمن القومي» لبلاده بنحو واضح، على حد ما نقلت عنه وكالة «الأناضول». وتعكس التصريحات التركية، أمس، غياب الثقة بالمشاريع الأميركية المستجدة، استناداً إلى العقبات التي واجهت التعاون في ملف منبج (وسواه)، والوعود بسحب «وحدات حماية الشعب» الكردية منها.
إلى جانب ما رشح من موقف تركي لافت إزاء التصور الأميركي لملف «المنطقة الآمنة»، تحدث جاويش أوغلو عن احتمال إعلان تشكيل «اللجنة الدستورية» خلال الأيام المقبلة، قائلاً إنه ناقش ذلك في آخر اتصال هاتفي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف. وأضاف أن الأطراف «توافقت على صيغة 4+2 لحل معضلة ممثلي المجتمع المدني»، مشيراً إلى أنه «حُيِّدَت الخلافات الحاصلة حول أعضاء اللجنة، ويجري العمل على النظام الداخلي لها، وكيفية عملها». ولم تقتصر المكالمة مع لافروف على ملف «الدستورية»، إذ لفت وزير الخارجية التركية إلى أنه طلب من موسكو «وقف الهجمات التي تستهدف منطقة خفض التصعيد في محافظة إدلب».