بعد طردهم من مدينة درنة، أقصى شرق ليبيا منتصف 2015، على يد «مجلس شورى مجاهدي درنة» المقرب من «القاعدة»، التحق مئات من مقاتلي تنظيم «داعش» برفاقهم في مدينة سرت الساحلية (وسط)، حيث شددوا سيطرتهم وسعوا إلى تأسيس مقر دائم لهم. جرى ذلك وسط انقسام سياسي حاد تركزت بمقتضاه حكومتان في الشرق والغرب، فصارت سرت تحت سيطرة «داعش» أشبه بحد فاصل بينهما.وبعد مدة تقارب العام، لم يحرك أحد ساكناً، بينما كان التنظيم يطور نشاطه ويستهدف مدناً أخرى. وعندما بلغت تهديدات «داعش» حدوداً غير مسبوقة، قرَّر الجميع التحرك. حينذاك، خططت قوات المشير خليفة حفتر في الشرق لإطلاق عملية سُميت «القرضابية 2»، فيما استبقتها قوات الغرب بإطلاق عملية «البنيان المرصوص» في أيار/ مايو 2016. استمرت المعارك قرابة سبعة أشهر، مُني خلالها «داعش» بخسائر كبيرة في الأرواح، وفقد أغلب عتاده، وفرَّ بقية عناصره وصاروا يتجولون في مناطق صحراوية نائية، حيث يشنون انطلاقاً منها عمليات خاطفة بين حين وآخر. ومنذ إنهاء حضور التنظيم في سرت، تتولى «قوة حماية وتأمين سرت» مهمة حماية المدينة أمنياً، إلى جانب الحفاظ على السلم الاجتماعي، وهي أحد التشكيلات التي تأسست عند انتهاء الحرب وشارك أفرادها في المعارك.
لا ينكر المتحدث باسم «قوة حماية وتأمين سرت»، طه حديد، في حديث إلى «الأخبار»، دور قوات «القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا» (الإفريكوم) في حسم العمليات عبر طلعات جوية محدَّدة. لكنه يقول إن قوات «البنيان المرصوص» كانت قد حققت تقدماً مهماً داخل المدينة قبل انطلاق الطلعات الجوية، مشيراً إلى أن «التخوف الأكبر الذي جابهنا أثناء القتال، وأخَّر انطلاق العمليات، يتعلق بالمفخخات والألغام التي لم تكن لنا خبرة في التعامل معها». ومع إطلاق الهجوم على طرابلس، زادت أعباء «حماية سرت»، إذ صارت مسؤولة أيضاً عن حماية المدينة من اختراقات حفتر. يقول حديد إنهم كانوا دائماً مستعدين لمجابهة هذا الخطر، فقد صدوا قبل بدء الهجوم قوات تتبع المشير شرق سرت «كانت تتذرع في كل مرة بأنها أخطأت الطريق»، لكنهم اتخذوا منذ بداية نيسان/ أبريل «إجراءات استثنائية؛ من بينها استدعاء كل الوحدات التابعة لهم».
يقيّم حديد الأوضاع الأمنية في المدينة الآن بـ«جيدة جداً»، لكنه يرى أن خطر هجوم من حفتر أو «داعش» قائم. المشكلة الكبرى التي تواجه «القوة» حالياً ترتبط بتنظيم جهودها، وهو أمر ينطبق أيضاً على «قوة مكافحة الإرهاب»، وهي تشكيل آخر من سليل عملية «البنيان المرصوص» أيضاً، وكانت «تسيّر دوريات مستمرة (في أماكن صحراوية) لملاحقة داعش، وصارت الآن مشغولة بصد العدوان على طرابلس». لذلك، يرى المتحدث أن الهجوم على العاصمة «يقوّي داعش ويمنحه حرية التحرك»، فهو «يستغل الفوضى والصراع والفراغ الأمني ليثبت أنه موجود». يضرب الرجل أمثلة، منها أن التنظيم بدأ يمارس بـ«استيقافات وفرض إتاوات على الناس جنوب سرت»، كما يحيل على حالة الجنوب الليبي الذي شهد أكثر من اعتداء دموي بعد انسحاب قوات حفتر المتمركزة هناك للمشاركة في الهجوم على طرابلس.
لكن الرجل يلقي اللوم أيضاً على حكومة «الوفاق الوطني» بسبب «تقصيرها تجاه أهالي المدينة وتجاه القوة»، لكنه لفت إلى تحقيق نتائج جيدة في جهود المصالحة، وخاصة أن المدينة مسقط رأس معمر القذافي الذي لجأ إليه في أيامه الأخيرة. فمن ناحية، نجحت «لجنة إرجاع العائلات» في إعادة النازحين أثناء سيطرة «داعش»، كما عادت العائلات التي غادرت في 2011، وهي تعيش الآن «دون مضايقات». من ناحية أخرى، يقول حديد إنهم تولوا إزالة الألغام من منازل الناس بـ«مجهودات ذاتية من دون أي دعم من الحكومة أو المجتمع الدولي»، كما «لم تصرف حتى الآن تعويضات لمن تضررت منازلهم أثناء الحرب ضد داعش»، بل اكتفت الحكومة بصرف بدل إيجار، رغم انتهاء حصر الأضرار لدى «جهاز الإسكان والمرافق» الرسمي.
وفي ما يخص القوات، يقول إنه رغم تلقّيها أخيراً بعض الدعم في شكل تجهيزات، فإنه توجد «مشكلة متكررة» متعلقة بالرواتب، إذ إن «أفراد القوة يعملون دون مرتّبات منذ أكثر من عام»، والأمر متواصل رغم اجتماعهم أخيراً مع مسؤولين في طرابلس، بينهم وزراء أطلقوا وعوداً كثيرة لم تُتخذ بعد إجراءات عملية بشأنها.