لم يحيّد الهدوء النسبي الذي تعيشه خطوط التماس في محيط مدينة حلب، على خلاف أرياف حماة واللاذقية وإدلب، أحياءها عن التصعيد، إذ استشهد وأصيب عدد من المدنيين أمس، جراء سقوط قذائف صاروخية على حيَّي حلب الجديدة ومنيان، وفي محيط القصر البلدي. ورغم أن القذائف لم تغب طوال الأسابيع الماضية عن المدينة، فإن الجبهات المحيطة بها بقيت مجمّدة، على نحو يوحي بوجود تفاهم ضمنيّ على تحييدها عن سخونة «جيب إدلب»، أقلّه في المرحلة الحالية.القصف الصاروخي ترافق مع نشاط واسع لسلاحي الجو السوري والروسي، وفق ما يحدث عادة بعد كل هجوم تشنّه الفصائل على مناطق سيطرة القوات الحكومية، وعلى قاعدة حميميم الجوية عبر الطائرات المسيّرة. وشملت المواقع التي استهدفتها الطائرات الحربية، خلال اليومين الماضيين، مناطق تتبع أرياف إدلب وحماة وحلب واللاذقية، فيما بدا لافتاً تراجع حدّة الاشتباكات المباشرة في محيط الحماميات بريف حماة الشمالي، رغم استمرار القصف المدفعي والصاروخي المتبادل على طرفي خطوط التماس هناك.
وغابت التصريحات الرسمية من ضامِنَي «اتفاق سوتشي» الخاص بالهدنة في «جيب إدلب»، الروسي والتركي، حول التصعيد الأخير، رغم دفع الجيش التركي تعزيزات عسكرية كبيرة إلى حدود الجيب مع لواء إسكندرون. ووسط الدفء بين موسكو وأنقرة، على وقع تسليم منظومة «S-400» الدفاعية، ينصبّ تركيز الأتراك على شرق الفرات، حيث يمكن استغلال الكباش مع واشنطن في غير مجال. فقد عادت وزارة الدفاع التركية ونظيرتها الأميركية إلى الحديث عن إرسال «فريق عسكري» أميركي إلى أنقرة لبحث ملف إنشاء «منطقة آمنة». وليس في هذا التطوّر أي جديد سوى ما يمكن تجييره على طاولة التفاوض الثنائية، إذ يتشارك الطرفان لجنة مسؤولة عن التواصل المستمر في شأن تنفيذ «اتفاق منبج» ونقاشات «المنطقة الآمنة».
وسط هذه الديناميات المتشابكة في الميدان والقنوات الدبلوماسية، تستمر تباعاً علامات التضييق على دمشق، ولا سيما في قطاع الطاقة. فبعد وقت قصير على العملية التخريبية التي استهدفت مصبّ بانياس النفطي البحري على أيدي مجهولين، تعرض أمس خط نقل الغاز الواصل بين حقل الشاعر ومعمل غاز «إيبلا» في ريف حمص الشرقي لـ«عمل إرهابي تخريبي» ما أدى إلى خروجه من الخدمة، وفق بيان رسمي. لكن من غير المتوقع أن يبقى الخط خارج الخدمة لوقت طويل، ولا سيما مع انطلاق أعمال الصيانة مباشرة، كون الخط مسؤولاً عن نقل نحو 2.5 مليون متر مكعب من الغاز يومياً، توزّع لاحقاً على محطات توليد الكهرباء.
الأعمال التخريبية تتساوق مع الرؤية الأميركية لخنق إمدادات سوريا النفطية؛ ففي السياق نفسه، صرّح وزير الخارجية البريطاني، جيريمي هنت، أمس، بأن بلاده ستسهّل الإفراج عن ناقلة النفط الإيرانية المحتجزة (غريس 1) قبالة ساحل جبل طارق إذا حصلت على ضمانات بأنها لن تتوجه إلى سوريا.