عكست التصريحات التي خرجت عقب زيارة المبعوث الأممي، غير بيدرسن، أمس، لدمشق، ولقائه وزير الخارجية السورية وليد المعلم، أجواء «توافق» إيجابية حول ملف «اللجنة الدستورية»، هي ليست الأولى من نوعها في هذا الشأن، ولكنها تأتي مدعّمة بظروف مختلفة عمّا سبق. بيان وزارة الخارجية قال إن «المباحثات (مع بيدرسن) جرت في أجواء إيجابية وبنّاءة، حيث تحقق تقدم كبير، واقتُرِب من إنجاز اتفاق لجنة مناقشة الدستور». وعلى رغم جرعة «التفاؤل» المحمّلة في البيان، والحديث ضمنه عن «تقدم كبير»، فإنه يعطي انطباعاً أيضاً بأن لا «اتفاق كاملاً» ـــ إلى الآن ـــ من دون إغفال اختلاف المصطلحات بين «اللجنة الدستورية» و«لجنة مناقشة الدستور»، وهو اختلاف قد يكون عنوان عقدة جديدة مستقبلاً. وبينما أشار بيان وزارة الخارجية إلى أن الجانبين شددا على «أهمية التنسيق المستمر لضمان نجاح مهمة المبعوث الخاص... بما يساعد على عودة الأمن والاستقرار إلى كل الأراضي السورية والحفاظ على سيادة سوريا ووحدتها وسلامتها الإقليمية»، أبدى بيدرسن تفاؤلاً حذراً، بالقول من دمشق إن الأمم المتحدة «بصدد التوصل إلى اتفاق» مع الحكومة السورية حول «اللجنة»، من دون الدخول في تفاصيل ما نوقِش أمس.وتؤكد المعلومات التي رشحت عن الزيارة أن ما طُرِح لا يخرج عن المقترح الروسي الذي حمله مبعوث «الكرملين» ألكسندر لافرينتيف، إلى الرئيس السوري بشار الأسد، بتقسيم المقاعد الستّة المُختلف على تسميتها في الثلث الثالث من «اللجنة»، بين دمشق والأمم المتحدة، بنسبة 4 إلى 2 على التوالي. وفي المقابل، أبدت دمشق حزماً كبيراً في نقاش آلية اتخاذ القرار في «اللجنة»، مصرّة على ضرورة تأمين موافقة ما لا يقلّ عن 75% من أعضائها. وفي موازاة لقاء بيدرسن بالمعلم، كان لافرينتيف يلتقي المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، في المجمع الرئاسي في أنقرة. ووفق وسائل الإعلام التركية، بحث الطرفان ملفي «اللجنة الدستورية» و«المنطقة الآمنة» شرقي الفرات، والوضع في «جيب إدلب». كذلك، حضر الحديث عن ترتيبات القمتين، الثلاثية الروسية ـــ الإيرانية ـــ التركية، والرباعية الروسية ـــ التركية ـــ الألمانية ـــ الفرنسية، اللتين ستعقدان في تركيا تباعاً.
ما اختلف هذه المرة في التفاؤل بنجاح تشكيل «اللجنة الدستورية»، مزيج من العوامل المحلية والدولية، على رأسها الخطوات العملية التي تجري في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية، والمصحوبة بتوافقات مستجدّة، تصبّ في خانة تعظيم الضغط على دمشق، من شرق الفرات إلى إدلب، إلى غيرهما. وبينما تظهر علائم نجاحٍ أوليٍ لمقترح الرئيس دونالد ترامب إنشاء «قوة متعددة الجنسيات» في مناطق سيطرة «قوات سوريا الديموقراطية»، يلتزم الجانب التركي الصمت حول نقاشات «المنطقة الآمنة» مع واشنطن، من دون أن يتضح مبرر هذا الصمت، إن كان رضىً بالتوافق أو قبولاً على مضض. وعلى الجانب المقابل، تجهد فرنسا، بتوجيه أميركي، في توحيد الصف السياسي الكردي في شمال شرقي سوريا من جهة، وتوسيع تحالفات «مجلس سوريا الديموقراطية» من جهة أخرى، ربطاً بتغييرات هيكلية في بنية المجالس المحلية والعسكرية التابعة لـ«مسد»، تُشرك العشائر العربية أيضاً، بما يضمن حاملاً شعبياً لأي إطار جديد قد يولد لاحقاً على يد «الدّاية» الفرنسية.
وتوازياً مع هذه التطورات، تحشد واشنطن وفريقها إمكانات واسعة لتضييق الخناق على دمشق، وحليفتها طهران، إلى جانب التلويح بورقة الأسلحة الكيميائية، التي أطلّت برأسها سابقاً في غير مناسبة. فقد نقلت وكالة «رويترز»، أمس، عن مصادر مطلعة قولها إن فريقاً جديداً شكّلته منظمة حظر الأسلحة الكيميائية سيفتح تحقيقاً في «أنباء عن وقوع تسع هجمات» خلال سنوات الحرب الماضية في سوريا. وأشارت المنظمة إلى أن الفريق الجديد ستكون لديه «سلطات تتيح له توجيه اتهامات لمنفذي الهجمات»، وليس فقط تسمية الجهة التي نفذتها، الأمر الذي قد يفتح الطريق لإجراءات «عقابية» ستجيد واشنطن استغلالها على طاولة التفاوض السورية. ويأتي هذا التطور وسط استمرار المعارك في محيط «جيب إدلب»، ولا سيما في أقصى شمال محافظة اللاذقية، وهو تصعيد قد يكون بدوره فرصة لسَوْق اتهامات جديدة باستخدام «أسلحة كيميائية» على غرار ما جرى قبل نحو شهرين في محيط جسر الشغور.