في 7 تموز 5579 بالتقويم العبري (أمس)، ستأتي فرقة من «حرس الحدود» في الجيش الإسرائيلي لتطرد عائلة من منزلها في سلوان في القدس المحتلة. مبرّرها الأساطير التوراتية التي تقول إن «الرب وعد الملك داوود وقبائل إسرائيل بعرش أبدي هناك»، بينما يبدو أن تاريخ اليبوسيين أبناء الكنعانيين توقف إسرائيلياً عام 3000، عندما ترك «الملك داوود حبرون ليغزو مدينة صغيرة على قمة التل المعروف باسم أورشليم». تتبادر تلك الأفكار إلى الذهن لدى متابعة مشاهد واصلة من القدس، لجنود برشاشات «إم 16» يتضاربون بالأيدي مع فلسطيني يحاول الدفاع عن بيته. بيت مَن هذه المرّة؟ يعلو الصراخ بالعبرية. إنه بيت جواد صيام، مدير «مركز معلومات وادي حلوة» في سلوان، والناشط ضد جمعية «إلعاد» الاستيطانية، التي أتت لتستولي على بيته، لكونه جزءاً من مشروع مدينتها الأسطورية المدعوّة «مدينة داوود». قبل بضعة أيام فقط، كان صيام قد تحدث إلى «الأخبار» عن الأضرار التي ألحقتها الحفريات الإسرائيلية بالبِنى التحتية ومنازل الفلسطينيين في بلدته، وذلك في إطار تقرير تناول افتتاح «نفق الحج اليهودي إلى الهيكل» أسفل تلك البيوت، بمطرقة سفير الولايات المتحدة لدى تل أبيب، ديفيد فريدمان (راجع العدد 3797).
إلى الجنوب من المسجد الأقصى، تُنازع سلوان، كُبرى البلدات المقدسية وأهمها، الغزاة الإسرائيليين. هذه المرة، وكما آلاف المرات السابقة، بسطت «اليدُ اليُمنى» للدولة الاستيطانية سيطرتها على منزل جديد، يقع في الأرض التي تُعَدّ النواة الأولى التي بُنيت عليها القدس قبل أكثر من خمسة آلاف سنة على أيدي اليبوسيين. هكذا، يُراد إخلاء سلوان لتتحول إلى «ما يشبه حديقة البهائيين (أتباع أحمد بهاء الدين) في حيفا»، ولكن هنا «حديقة ومدينة توراتية لداوود الملك، حيث كانت بساتينه وقصوره التي يدّعيها الإسرائيليون»، بحسب ما يشرح الأهالي.
إذاً، منزل صيام هو واحد من البيوت التي يستهدفها مشروع «المدينة». يقول شقيق جواد، نهاد صيام، إن «الوضع سيئ جداً في سلوان... طوّقت الشرطة المنطقة، وأغلقت كل الجوانب والاتجاهات، قبل أن تقتحم المنزل وتخرج شقيقي بقوة السلاح. اعتقلوا شقيقي ولا أستبعد أن أُعتقل في أيّ لحظة». ويضيف: «ما نفعله حالياً، أننا نحاول حماية بيوتنا وبقية البيوت التي يستهدفها المشروع. نحاول أن نمنع المستوطنين من الاقتراب منها والاستيلاء عليها». يشرح نهاد تفاصيل القضية التي تتنقّل منذ 25 عاماً في أروقة المحاكم الإسرائيلية، قائلاً إن «البيت الذي استُولي عليه هو لجدتي المتوفاة. لكن أخوالي الموجودين حالياً في الولايات المتحدة، وخالتي التي تعيش في الداخل، باعوا حصصهم من المنزل لإلعاد الاستيطانية. هناك ثماني حصص، اثنتان منها لأمي وخالتي، وأربع لأخوالي وخالتي الأخرى، واثنتان مصنّفتان أملاكاً لغائبين. بيعت جميع الحصص إلا حصة أمي. وقد بيعت أيضاً الحصص المصنفة أملاكَ غائبين في مزاد مغلق حتى يتسنى لهم تزييف عملية البيع». يتابع بحرقة وأسف: «جميعهم جواسيس يعملون مع المستوطنين. ونحن منذ ربع قرن في المحاكم نحاول منع الاستيلاء على ممتلكاتنا وبيوتنا. حاولوا التزييف لمرات، لكن كسبنا القضية مرة، إلى حين أن استطاعت إلعاد الالتفاف على أخوالي، وأقنعتهم ببيع حصصهم. قدمنا استئنافاً على الحكم (الذي قضى بملكية البيت للشركة الاستيطانية)، لكن القاضي رفض الاطلاع على أي مستند من التي بحوزتنا. القانون قانون دولة احتلال جائر. طلبنا أن نشتري هذه الممتلكات التي بيعت دون علمنا، لكنهم رفضوا. حاولت الشرطة كثيراً إقناعنا بإخلاء البيت بمساعدة المخابرات الإسرائيلية، وهددونا إن لم نلتزم قرار المحكمة، فسنُسجن ونُعتقل».
باع أشخاص في الولايات المتحدة حصصهم من البيوت للمستوطنين


بالرجوع بضعة أشهر إلى الخلف، يتبين أن «المحكمة العليا» الإسرائيلية كانت قد أقرّت مشروعين استيطانيين كبيرين منحت بموجبهما جمعية «عطيرات كوهانيم» حق سرقة بيوت مئات العائلات الفلسطينية (الأول في حيّ الشيخ جرّاح، والثاني في حيّ بطن الهوى في سلوان). وتذرّعت المحكمة في ردها على استئناف الأهالي بقانون «أملاك الغائبين»؛ إذ ادعت أن «700 عائلة من سلوان بيوتها كانت مملوكة للإسرائيليين قبل النكبة». تزامن ذلك مع تصديق الكنيست على مشروع قانون يسمح ببناء وحدات استيطانية في منطقة «الحديقة الوطنية» في سلوان، ضمن توسيع خريطة «مدينة داوود». كل هذا في إطار مخطط شامل هدفه تهويد البلدة فوق الأرض، بالتوازي مع التهويد الجاري أسفلها من حفرٍ للأنفاق في محيط الأقصى من أجل ربط المشاريع الاستيطانية كافة، ووصل الأجزاء الشرقية والغربية من المدينة.
على هذه الخلفية، تُعدّ الهجمة على سلوان جزءاً من مخطط شامل يستهدف القضاء على الوجود الفلسطيني في القدس، تؤدي فيه الجمعيات الاستيطانية دور تزوير ملكية الأرض لجهات يهودية قبل 1948، ثم نقل الوصاية إلى «القائم على أملاك الغائبين» الذي يصير بدوره صاحب الأرض وما عليها من أملاك، لـ«يحق له»، وفق القانون الإسرائيلي، أن يطرد أصحاب البيوت الأصليين منها ويعطيها لمستوطنين آخرين. يقول عضو «لجنة الدفاع عن أهالي سلوان»، فخري أبو ذياب، إن «إسرائيل الرسمية تعمل تحت الأرض وفوقها لتهويد المنطقة. فالبلدية لا تسمح لنا بالبناء، بل تجبرنا على هدم بيوتنا. وكجزء من تصفية وجودنا يدفع المستوطنون عبر قانون أملاك الغائبين أو بشراء بعض الذمم للسيطرة على المنطقة، وهي إحدى وسائل التهجير والطرد. الوضع سيّئ في سلوان، خصوصاً أن دولة الاحتلال تُسخّر كل إمكاناتها لفرض وقائع جديدة على الأرض لإجبار الناس على الرحيل».
وحول إمكانية «المناورة القانونية»، يشير أبو ذياب إلى التجربة المريرة مع المحاكم الإسرائيلية، لأنها «جزء من المنظومة الاحتلالية، ومثال ذلك ما عانته عائلة جواد صيام التي تمتلك جزءاً من المنزل، في حين أن الجزء الآخر سرّبه أشخاص في الولايات المتحدة، ومن الصعب السيطرة على مَن هم خارج البلاد». لذلك، «علينا أن نتحلى بالوطنية والانتماء، وأن نوضح للناس قيمة الأرض والممتلكات، وأن هناك سياسة تطهير عرقي تُمارس ضدنا. نتمنى أن تكون هناك صناديق عربية وفلسطينية تحافظ على أملاك القدس بدلاً من أن يبيع البعض أملاكهم لمؤسسات تهويدية بسبب الضغوط النفسية والاقتصادية والاجتماعية»، كما يقول.