يبدو لافتاً عدد جلسات المجلس الوزاري المصغر التي عقدها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال نحو أسبوعين. قد تكون هذه من المرّات النادرة (المعلَنة) التي يعقد فيها نتنياهو 4 جلسات خلال فترة قصيرة، وهو الذي اشتُهر أخيراً بإهمال ذلك المجلس، الذي يُفترض أنه المسؤول عن السياسات الخارجية والأمنية للكيان. انعقدت تلك الجلسات تحت أكثر من عنوان، تارةً بهدف بحث تداعيات احتدام الصراع بين أميركا وإيران وانعكاساته على محيط إسرائيل، وأخرى بغرض بحث الوضع مع قطاع غزة، الذي ترى تل أبيب أنه يشغلها عن التركيز على مواجهة تهديدات أشدّ على مستوى المنطقة. ونتيجة ذلك، تحوّل القطاع إلى عبء على الاحتلال، بعدما فشل في إخضاعه وردع مقاومته، ومحاولة إبقاء الحصار المضروب على سكانه من دون أي تدهور أمني في جنوب إسرائيل، وتحديداً في مستوطنات «غلاف غزة».مشكلة نتنياهو أن مقاربته للوضع مع القطاع تتداخل فيها عدة عوامل داخلية وخارجية، فيما الصيغة الأمثل له تتمثل باستمرار الهدوء مع استمرار الحصار أيضاً. بإمكانه، والحال هذا، تصدير صورة إنجاز للجمهور الإسرائيلي، متمحورة حول «فعالية قوة الردع» الإسرائيلية. وهكذا، يتمكن من التفرغ لمواجهة التطورات الإقليمية في الشمال والشرق، وصولاً إلى إيران. على هذه الخلفية، جاء كلامه خلال جلسة المجلس الوزاري المصغر عن أن «سياستنا واضحة، ونحن نريد إعادة التهدئة»، قاصداً بذلك التهدئة المقرونة باستمرار الضغط على القطاع، وهو ما حرمته إيّاه فصائل المقاومة، عبر ابتكار تكتيكات جديدة أدت إلى رفع مستوى التوتر الأمني في مستوطنات «غلاف غزة». عامل ضاغط آخر يحضر في مقاربة نتنياهو، متمثل بمدى انعكاس الوضع مع القطاع على الرأي العام الإسرائيلي الذي سيدلي بأصواته في الـ17 من أيلول/ سبتمبر المقبل في إعادة انتخابات الكنيست. إذ إن المشكلة في أي خيارات قد ينتهجها إزاء غزة، تصطدم بتوقع الرد الفلسطيني الذي شكّلت الجولة الأخيرة نموذجاً منه. وفوق ما تقدم، يأتي المسار التصاعدي الذي يسلكه الملف النووي الإيراني، فضلاً عن ارتفاع مستوى التوتر على الجبهة الشمالية.
انطلاقاً من تلك الاعتبارات، يأمل نتنياهو، من خلال التلويح بالعدوان العسكري، قمع المقاومة وردعها. لذا، فهو قرن دعوته إلى التهدئة بالتلويح بأنه «في موازاة ذلك، نستعد لعملية عسكرية واسعة إذا اقتضت الحاجة. وهذه هي تعليماتي للجيش». ومع أن نتنياهو حاول، من خلال موقفه المتقدم، وضع سكان القطاع بين خيارَي التهدئة أو العملية العسكرية، إلا أن أداءه على الأرض يكشف تردّده في التورط في عملية واسعة مع القطاع، وفي الوقت نفسه عجزه عن توفير الأمن للمستوطنات.
عجزٌ لا يزال يثير السخط في أوساط المجالس المحلية للمستوطنات في جنوب إسرائيل. وآخر مظاهره أمس، حيث غادر رئيس المجلس الإقليمي لـ«أشكول» غادي يركوني، ورئيس المجلس الإقليمي لـ«شاعر هنيغف» أوفير ليفشطاين، اجتماعاً عقده نتنياهو، وحضره نحو 20 رئيس سلطة محلية في الجنوب. وفسّر يركوني وليفشطاين مقاطعتهما الاجتماع بأنه «فوجئنا بدعوة 20 رئيس سلطة محلية في الجنوب إلى اللقاء مع رئيس الحكومة، ولم تكن لدى الأخير أي نية للبحث في موضوع غلاف غزة، كما هو متوقع ومطلوب في هذه الأيام». وأشار إلى أن «التحديات والاحتياجات في غلاف غزة مختلفة بالكامل» عما هي في غيره، مضيفَين أن «لدينا تخوفاً عميقاً حيال مدى وعي وإدراك الحكومة لما يحدث اليوم في بلدات غلاف غزة». لكن نتنياهو عقّب على هذا الموقف بالتعبير عن أسفه، لكونهم «يقولون دائماً إننا لا نستمع إليهم، غادروا عندما جئنا لنستمع إليهم، لكننا سنفعل المطلوب من أجل الجميع».