بسقوط غريان، جنوب غربي العاصمة طرابلس، بأيدي قوات حكومة الوفاق الأربعاء الماضي، تلقت قوات المشير خليفة حفتر ضربة عسكرية ومعنوية مهمة، لما تمثل المدينة الجبلية من موقع استراتيجي، ومقر لقيادة العمليات في المنطقة الغربية. لم تُرجع قوات حفتر ما حصل إلى «خيانة» في تشكيلات عسكرية داخل غريان فحسب، بل حمّلت المسؤولية أيضاً لتركيا، التي وفرت طائرات مسيّرة غطت قوات «الوفاق» جوياً، متوعدةً باستهداف مصالح أنقرة في ليبيا.وفيما يهدف توصيف تحرك «خلايا نائمة» داخل غريان بـ«الخيانة» أساساً إلى تبرير الهزيمة العسكرية، تبدو غاية حفتر من استحضار دور أنقرة بكثافة، استنفار حلفائه الإقليميين، ولا سيما الإمارات ومصر، لتقديم مزيد من الدعم العسكري الذي يعيد ميزان القوى إلى سابق عهده، في وقت تمهد فيه قواته على الأرض لردٍّ عسكري «في انتظار أوامر القائد العام» للانطلاق في تنفيذها، كما أعلن الناطق باسمها، اللواء أحمد المسماري، قائلاً إن خطة استعادة غريان جاهزة.
وفي الاتجاه نفسه، أعلن رئيس البرلمان المتمركز في مدينة طبرق شرق البلاد، عقيلة صالح، حالة «النفير العام» مساء الأحد، بصفته «القائد الأعلى للقوات المسلحة»، فيما بدأت إذاعات في شرق البلاد بثّ نداءات تدعو المواطنين إلى التطوع في القتال في طرابلس. وأصدرت إحدى القبائل دعوة إلى أبنائها القادرين على حمل السلاح للالتحاق بجبهات القتال في غرب البلاد. وفي اليوم التالي، أعلن آمر سلاح الجو في قوات حفتر إطلاق عملية «عاقبة الغدر». وقال في بيان إنهم باشروا «تنفيذ ضربات جوية قوية ومحكمة» في طرابلس، وذلك «بعد استنفاد كل الوسائل التقليدية»، مبرراً التصعيد بما حصل في غريان، وسط مزاعم عن تصفية قرابة ثلاثين جريحاً من مقاتليهم في مستشفى المدينة. ومن جهتها، أصدرت «المنطقة العسكرية في الجبل الغربي» بياناً دعت فيه قواتها إلى «الالتحاق بعمليات المنطقة خلال 24 ساعة»، محذرةً الممتنعين عن تطبيق الأمر من «المساءلة القانونية».
تعمل «الوفاق» لتكون غريان نموذجاً جاذباً لبقية المدن الخاضعة لحفتر


ما سبق يشي بأن استعادة غريان ضرورة قصوى لقوات حفتر، نظراً لأهميتها الاستراتيجية؛ فهي تقع في قمة جبلية، وتشرف على جنوب طرابلس والطرق الرئيسة المؤدية إلى مناطق سيطرة تلك القوات في غرب البلاد (مدينتا صرمان وصبراتة). لكن الأمر يظهر أشبه بالمستحيل حالياً، فيما تبدو القوات العسكرية المسيطرة عليها موحدة، وتحظى بدعم السكان الذين عانوا طوال الأشهر الثلاثة الأخيرة من نقص في المواد الغذائية والمحروقات نتيجة الحصار الخانق، وبعدما عاد المجلس البلدي المنتخب إلى المدينة.
وتعمل حكومة الوفاق على توفير احتياجات غريان المادية، وتجنب الأعمال الانتقامية، حتى تكون نموذجاً جاذباً لبقية المدن المجاورة التي تسيطر عليها قوات حفتر، وخاصة ترهونة (جنوب شرقي طرابلس)، التي لها الخصائص الجغرافية نفسها، لكن مكونات الأخيرة لا تزال رافضة لـ«الوفاق» حتى الآن، إذ لاقت قوات حكومة طرابلس مقاومة عنيفة كبَّدتها عشرات القتلى في محاولتها التمدد سريعاً بعد سيطرتها على غريان. وكما ترهونة، اتخذت صبراتة موقفاً رافضاً لـ«الوفاق»، إذ ردّ المجلس العسكري للمدينة التي تسيطر عليها «كتيبة الوادي» السلفية المدخلية، قبل أيام، على دعوات تسليم المدينة سلماً وإجراء مصالحة، بالرفض، وفرض حظر تجوال ليلي خشية تحرك خلايا نائمة.
ويبدو أن جهود «الوفاق» قد تجاوزت غرب البلاد، إذ أُعلن رسمياً تشكيل «الهيئة البرقاوية» أمس، وهو جسد يرأسه أحد أهم قادة قبيلة العواقير، الشيخ عبد الحميد الكزة، الذي يطمح إلى أن يخلق بديلاً ممثلاً لسكان شرق البلاد (إقليم برقة). وقد بدأت مساعي تشكيل هذه «الهيئة» منذ انطلاق الهجوم على طرابلس في الرابع من نيسان/ أبريل، لكن لم تظهر حتى الآن علامات على اكتسابها دعم فاعلين مهمين في شرق البلاد، بما يخولها أن تكون قوة فعلية في مواجهة حفتر وحلفائه.