نواكشوط | بعد أسبوع على الانتخابات الموريتانية التي طعن فيها أربعة من مرشحي المعارضة، باعتبارها مزوّرة، أعلن المجلس الدستوري، أمس، موقفه من النتائج الأولية التي كانت «اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات» قد أحالتها عليه، رافضاً الطعون المقدمة، باعتبارها «ادعاءات عامة» بلا إثباتات صالحة وجدية، ومعلناً محمد ولد الغزواني رئيساً للبلاد. المجلس، الذي تُمثَّل المعارضة فيه ببعض الشخصيات، أكد أنه تعامل مع النتائج بحذر ودقة كبيرين، من خلال مقارنتها بالمحاضر المتوافرة لديه، التي ساعدته صلاحياته وتجهيزاته في الحصول عليها منذ البداية، كما قال رئيسه، جالو ممادو باتيا، مشيراً إلى أن المراجعات جعلته يقبل النتائج الأولية، ولا سيما بعد تحرير نتيجة كل مرشح منفرداً، والقيام بالزيادة أو النقصان فيها (على رغم أن «الدستوري» حافظ عموماً على النسب المئوية في نتائجه النهائية، إلا أن بعض الأرقام حُذفت من نتائج المترشحين). لكن المعارضة، في المقابل، لا تزال تؤكد أن الانتخابات شابتها خروق، من بينها «استخدام مرشح السلطة لوسائل الدولة، والتصويت بالنيابة، وملء صناديق في مناطق ريفية، إلى درجة أن عدد المصوتين في بعضها فاق عدد المسجلين».على العموم، وبالنظر إلى أنّ المجلس الدستوري يُعدّ أعلى هيئة قانونية ودستورية في البلاد، فإن من شأن رأيه في نتائج الانتخابات أن ينهي الجدل القانوني حولها، لكنه عملياً لا يُنهي الجدل السياسي في البلاد. إذ أعلن مرشحو المعارضة رفضهم قرار المجلس، وصمّموا على رأيهم في شأن «حدوث التزوير»، مطالبين في الوقت ذاته بحل سياسي يبتدئ بـ«الحوار». وتُعزز الجدل السياسي الإجراءات التي اتخذتها السلطات منذ اليوم الأول للاستحقاق، والتي لا تزال سارية المفعول، من سبيل تكثيف المظاهر الأمنية في كبرى المدن، مثل العاصمة نواكشوط ونواذيبو، وقمع التظاهرات الاحتجاجية التي انطلقت يوم إعلان مرشحي المعارضة حدوث التزوير، وقطع خدمة الإنترنت في جميع مناطق البلاد، تصدياً لما اعتبرته محاولة لـ«زعزعة أمن البلاد» ترعاها «جهات أجنبية»، بحسب ما قال وزير الداخلية، أحمدو ولد عبد الله، في حينها.
قرار حجب الإنترنت، الأول من نوعه في موريتانيا، الذي اتُّخذ «إجراءً احترازياً مضاداً للشائعات المضللة»، يُمهد لسلطة قمعية بحسب المراقبين، لما فيه من تضييق على حرية التعبير، ولما «يجلب من أضرار» على المصالح التجارية والإدارية في البلد، الأمر الذي ولّد منه قضية رأي عام، يتوقع أن تخفت بعد إعلان المجلس الدستوري، علماً أن الخدمة التي انقطعت منذ 23 حزيران/ يونيو بدأت قبل أيام تعود جزئياً عبر الشبكة الثابتة، فيما لا تزال غير متاحة عبر الهواتف المحمولة. كذلك من المتوقع، بعد إعلان «الدستوري»، الحدّ من المظاهر الأمنية في المدن والعاصمة، في ظل توقف التظاهرات بعد مواجهة قوات الأمن لها باستخدام العنف.
يروّج الإعلام الرسمي للغزواني بوصفه «الرئيس المنتخب ديمقراطياً»


لكن بعيداً من الجدل السياسي والقانوني، من المنتظر بعد تصديق المحكمة الدستورية على فوزه، أن يُنصَّب ولد الغزواني رئيساً للبلاد مطلع آب/ أغسطس المقبل، ليحكم موريتانيا لخمس سنوات قادمة. ويروِّج الإعلام الموريتاني الرسمي، بالإضافة إلى عدد من الدول العربية والغربية التي هنّأته وأشادت بالانتخابات، للرجل بوصفه «الرئيس المنتخب ديمقراطياً». وأكدت الولايات المتحدة تطلّعها للعمل مع الرئيس الجديد، بحسب ما أعلنت السفارة الأميركية في نواكشوط، في بيان أعربت فيه عن «ارتياحها لنجاح الانتخابات»، التي رأت أنها «سمحت بالانتقال السلمي للسلطة من رئيس منتخب ديمقراطياً (في إشارة إلى الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز)، إلى رئيس آخر منتخب ديمقراطياً»، على رغم أن ولد الغزواني، وزير الدفاع السابق، وصديقه ولد عبد العزيز، شريكان في الانقلاب على الرئيس معاوية ولد الطايع في آب/ أغسطس عام 2005، ومن ثم في الانقلاب الثاني على الرئيس السابع للبلاد، سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، عام 2008، الذي جاء بولد عبد العزيز.
في ضوء ما سبق، يتوقع بعض المحللين أن يضطر مرشّحو المعارضة إلى الاعتراف بولد الغزواني رئيساً في نهاية المطاف، وقد يشارك بعضهم في السلطة، في إطار حوار سياسي، قد تنتج منه مشاركة في إدارة البلاد في ظلّ حكمه، عبر بعض الوظائف والمناصب المهمة. ويبرر أصحاب هذا الرأي ترجيحاتهم بأنّ الوضع السياسي والأمني ما زال حتى هذه اللحظة قلقاً بسبب قطع الإنترنت المحمول، والغضب الشعبي من الاعتقالات التي شنّها الأمن خلال الاحتجاجات الأخيرة، ما يجعل من الضرورة بمكان تسوية الإجراءات، والدخول في «حوار وطني تصالحي» لافتتاح المرحلة المقبلة، المليئة بتحديات في شأن الإصلاح والتنمية وتحسين المعيشة وترسيخ الأمن وتغليب الهدوء السياسي.