من يتخيّل، في جنوب سوريا، سعد حدّاد جديداً، قائد ما سميّ «جيش لبنان الحر» العميل لإسرائيل في جنوب لبنان؟ أو أنطوان لحد جديداً، الضابط الذي انشقّ عن الجيش اللبناني في نهاية السبعينيات، وورث حداد، ثم تحوّل جيشه إلى «جيش لبنان الجنوبي»؟ إسرائيل تتخيّل.
لم يكن خبر هبوط طائرة أميركية محمّلة بالسلاح والعتاد في مطار المفرق الأردني، قبل ثلاثة أسابيع، سوى إعلان عن خطّة أميركية ــــ إسرائيلية جديدة / قديمة، تتزامن مع المعطيات المؤكّدة لدى الأجهزة الأمنية السورية والمقاومة عن نقل غرفة العمليات الغربية من الحدود السورية ـــ التركية، إلى مدينة الرمثا الأردنية. وفي وقت تؤكّد فيه مصادر أمنية معنيّة لـ «الأخبار» أن إسرائيل «بدأت سعياً جدياً لإنشاء ما يسمى الجدار الطيب في منطقة الجنوب السوري، على غرار جدار العملاء الذي بنته في جنوب لبنان، بهدف حماية حدودها الشمالية»، يزداد التقاطع الميداني بين مسلحي المعارضة السورية والمصالح الإسرائيلية المباشرة في محافظة القنيطرة تحديداً.
وتشير المعلومات أيضاً، إلى أن فشل عمليّة حصار دمشق، وسقوط مناطق الريف تباعاً في يد الجيش السوري ومقاتلي حزب الله وحصول المصالحات أخيراً، وتعزيز جبهة السويداء والمناطق الشمالية والوسطى في محافظة درعا وتحقيق تقدم ميداني مهم للجيش في منطقة جبل الشيخ، أحبط خطّة إسقاط دمشق نهائياً، فبدأ العمل على إقامة «الجدار الطيب»، لاستغلال الفرصة وإبعاد وحدات الجيش السوري المدرّعة ومنع وصول مقاتلي المقاومة إلى الجنوب السوري، وبالتالي منع ربط الجبهتين السورية واللبنانية في أي حرب مقبلة تفكّر إسرائيل في شنها على لبنان أو على الجنوب السوري. وتقول مصادر كنسية في بيروت لـ «الأخبار»، نقلاً عن مصادر كنسية أميركية، إن «إسرائيل تنوي بالفعل إقامة الجدار، وهي أقنعت الأميركيين بجدواه، وحثّتهم على تقديم السلاح والعتاد والتدريب لمقاتلين سيخضعون مستقبلاً لإدارتها في الجنوب السوري، بالتعاون مع الأردن».
لم تعد المسألة «عطف» إسرائيل على أكثر من 700 من مسلّحي المعارضة السورية (اعترفت بهم تقارير صحافية إسرائيلية)، ومعالجتهم في مشفى مدينة صفد المحتلة ومستوطنة نهاريا، ومشفى «بوريا» قرب بحيرة طبريا، بعد إصابتهم في معارك مع الجيش السوري. ويتحدّث شهود عيان وناشطون من أبناء الجولان السوري المحتل، عن استقبال الاحتلال جرحى المسلحين في المشفى الميداني، داخل الموقع الإسرائيلي الذي يتوسط قريتي عين قنيا ومسعدة في أراضي الجولان المحتل، قبل نقلهم إلى مستشفيات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. بعض هؤلاء ليس «معتدلاً» أبداً، بل ينتمي إلى «جبهة النصرة» وكتائب في «الجبهة الإسلامية».
المسألة أبعد من «العمل الإنساني». بل باتت سياسة إسرائيلية تتبناها دوائر القرار العليا. وبدا ذلك جلياً من خلال زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وأركان جيشه.
يُضاف إلى ما تقدم أن معطيات الميدان في الجنوب السوري، من القنيطرة إلى درعا فالسويداء، تؤكّد أن «التسخين في الجبهة الجنوبية» الذي أفصح عنه السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد، قد بدأ بالفعل.

الميدان

وتشير مصادر عسكرية ميدانية على جبهات درعا والسويداء إلى أن «الاشتباكات الأخيرة كشفت وجود مدافع هاون أميركية الصنع وراجمات صواريخ جديدة بحوزة المسلحين»، بالإضافة إلى «تطوّر في شبكة اتصالاتهم». وتقول مصادر أمنية متابعة للوضع الميداني في الأراضي السورية القريبة من مطار المفرق الأردني، إن «أهالي القرى المواجهة للمطار يلاحظون منذ أسابيع حركة نقل كثيفة لشاحنات وسيارات رباعية الدفع مدججة بالمقاتلين، تعبر من معبرين، أحدهما من داخل محافظة درعا، والآخر التفافي على محافظة السويداء عبر منطقة الأصفر في البادية» من دون أن تحدد الوجهة. إلّا أن هذه المعطيات، تزداد وضوحاً، مع المعلومات الآتية من ميدان محافظة القنيطرة، وتحديداً في القطاعين الجنوبي والأوسط، حيث شنت المجموعات المسلحة التابعة لـ «جبهة النصرة» و«ألوية أبابيل حوران» و«ألوية اليرموك» و«ألوية الفرقان» هجوماً انطلاقاً من ريف درعا الغربي، بدأ صباح 29 كانون الثاني الماضي على قرى السويسة وكردنة وعين العبد وعين قريخة والدواية الكبرى والدواية الصغرى (ارتكب المسلحون مجزرة مروّعة بعائلة المحامي عدنان عوض في قرية الدواية الصغرى شرقي سد الهجّة، فقتلوه و 8 أفراد من عائلته، ونهبوا مواشيهم وأحرقوا بيوتهم. كما قتلوا حارس مركز الموارد المائية في شبكة ري كردنة)، وأنشأ المسلحون في القرى التي احتلوها «محكمة شرعية» خلال أيام، قاضيها تونسي الجنسية. وبالتزامن مع دخول المسلحين من جاسم ونوى، غرب درعا، باتجاه جنوبي القنيطرة، تحرّك المسلحون في بلدتي البريقة وبير عجم المتاخمتين للأراضي المحتلة أيضاً.
يبقى الأخطر من احتلال القرى، على ما تؤكّده المصادر المعنية في القنيطرة، قيام المسلحين بتخريب المنشآت المائية في محافظة القنيطرة، وتدمير مفرغات السدود (7 سدود في القنيطرة)، وفتحها باتجاه نهر اليرموك الذي ينبع من منطقة المزيريب شمالي محافظة درعا، فتصل إلى المضخّات الأردنية، التي تضخّ المياه باتجاه بحيرة طبريا، بموجب اتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل. والجدير بالذكر أن بحيرة طبريا تؤمن ثلث كمية المياه المطلوبة في الكيان الغاصب، وإسرائيل تواجه مشكلة مائية كبرى، وخصوصاً هذا العام، مع تراجع منسوب المياه في البحيرة نتيجة انخفاض معدّلات المطر الحالية والثلوج على جبل الشيخ.
وتشير مصادر أمنية أخرى، إضافة إلى معطيات من داخل الجولان السوري المحتل، إلى أن «الجيش الإسرائيلي يعمد إلى نقل المسلحين داخل الأراضي المحتلة من منطقة جبل الشيخ إلى قرى القنيطرة وبالعكس، لحمايتهم من ضربات الجيش السوري وكمائن قوات الدفاع الوطني واللجان الشعبية المنتشرة في حقول ووديان القرى، مستغلاً وجود جيوب لهم في بعض القرى المتاخمة للأراضي المحتلة في الجولان». وتقول المصادر إن «جيش الاحتلال عمد إلى حفر خنادق ونصب أسلاك شائكة لمنع مقاتلي اللجان الشعبية من التقدم في اتجاه ممرات المسلحين، كما يقوم أحياناً بقصف مواقع للجيش السوري ونقاط تجمع للجان الشعبية حين تشتدّ حدّة المعارك ويبدأ المسلحون بالتقهقر».
وعلى وقع المدافع والاشتباكات العنيفة، تمكّن الجيش السوري بالتعاون مع بعض الفعاليات ولجنة المصالحات الشعبية في سوريا من إقناع أكثر من 150 مسلحاً في قرى جباتا الخشب وخان أرنبة وطرنجة من تسليم أنفسهم للجيش في الأسابيع الماضية. على أن المصالحات تبقى جزئية ولا تذكر في هذه القرى، إذ تقول المصادر الأمنية، إن «المسلحين الأجانب وعدداً من المسلحين ممن دخل بلاد العدو ويتواصل مع القوات الإسرائيلية على نحو مستمر، يعرقلون التسويات، ويتمسكون بالمناطق التي يسيطرون عليها ويحاولون توسيعها».
وتقول مصادر أمنية متابعة للوضع في الجبهة الجنوبية إن «الأجهزة الأمنية السورية والمقاومة بالتعاون مع متطوعين من أبناء المنطقة، تحقّق ضربات أمنية عالية الدقة في صفوف المسلحين، وتواجه الأجهزة الأمنية الغربية والاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، بهدف منع هذه الأجهزة من تحقيق أي حزام أمني في الجنوب السوري، يحمي حدود إسرائيل الشمالية».

يمكنكم متابعة فراس الشوفي عبر تويتر | @firasshoufi