في ساعة متأخرة من الخميس الماضي، نشرت وكالة الأنباء التابعة للمشير خليفة حفتر خبراً حول زيارة يقوم بها إلى روسيا، من دون ذكر تفاصيل أو صور. لم يرشح عن الزيارة سوى ما يبتغيه حفتر، وقد ذكرته وسائل إعلام خليجية داعمة له أمس، حين قالت إنه قابل الرئيس فلاديمير بوتين ومسؤولين عسكريين، أكد لهم أن قواته «تقف في خندق مقاومة الإرهاب مع الجيش الروسي». لا تبدو هذه الزيارة الأولى للرجل، إذ كانت قد تسربت أخبار عن زيارة غير معلنة قام بها في 11 من نيسان/ أبريل الماضي، أي بعد أسبوع فقط على إطلاق الهجوم على طرابلس. وليس بالإمكان تأكيد الزيارة الأولى أو نفيها، لكن حفتر لا يمكن أن يتجاهل موسكو عند اتخاذه تصعيداً عسكرياً، وإن بإطلاعها على مستجداته عبر إرسال وفد ممثل عنه.أما دوافع الزيارة الثانية (أول من أمس) منذ بدء الهجوم، فكثيرة، وأهمها البحث عن دعم عسكري وسياسي مفتوح من روسيا، لكن يبدو أن العنوان الأكبر للموقف الروسي عبّر عنه رئيس «مجموعة الاتصال الروسية حول ليبيا»، ليف دينغوف، قبل أسبوع، بالقول إن «حفتر حدد مهمته على أنها مهمة تنظيف ليبيا من الإرهابيين، (لكن) للأسف لا يمكننا تحديد من يصفهم بالإرهابيين»، مضيفاً إنه يجب بداية معرفة الطرف الذي توجّه ضده المعركة. وتساءل: «هل توجد أسماء تجتمع تحت راية واحدة أو تنظيم ما؟ حتى اليوم، لا أرى شيئاً من ذلك»، وختم كلامه بتأكيد ضرورة أن تكون المعركة ضد الإرهاب «بالتنسيق مع طرابلس وحكومة الوفاق الوطني، لأن الإرهابيين أعداء لجميع الليبيين».
قدم أعضاء في الكونغرس رسالة إلى ترامب لدعم المسار السياسي بليبيا


طموحات حفتر بشأن الدعم الروسي عالية السقف، إلى درجة أن المتحدث الرسمي باسمه، أحمد المسماري، كان قد طالب باعتبار ليبيا مثل سوريا (راجع: «حفتر يغازل روسيا: اعتبرونا سوريا!»، الأخبار، العدد 3537)، لكن كما يوضح حديث دينغوف، لا تبدو روسيا في هذا الاتجاه، وهي ليست مقتنعة بذريعة حفتر «محاربة الإرهاب» التي يبني عليها وجوده، في حين لم يثبت حتى الآن دعم «الوفاق» أو اعترافها بمجموعة إرهابية، بل هي اعتقلت في الأيام الماضية خلايا نائمة لتنظيم «داعش» في طرابلس وضواحيها.
يوجد دافع آخر لشكوك موسكو حول حفتر، هو علاقته بالأميركيين. فعلى امتداد أكثر من عقدين، عاش حفتر في الولايات المتحدة، وتحديداً في ولاية فيرجينيا، وعلى بعد مرمى حجر من مقر «سي آي أي» التي رعت نشاطاته المعارضة لمعمر القذافي، كما أدخلته عام 2011 إلى شرق ليبيا للمساهمة في إسقاط النظام، علماً بأن علاقته بالأميركيين لم تتوقف عند ذلك الحد، بل صار ثابتاً الآن تلقيه مكالمة داعمة من الرئيس دونالد ترامب بعد أيام من إطلاقه الهجوم على العاصمة، ساهم في تنظيمها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، إضافة إلى شركات علاقات عامة تجمعه بها عقود.
تعرف «الوفاق الوطني» في طرابلس أهمية واشنطن في الملف الليبي، إذ يتجاوز دورها بأشواط الدور الروسي. وبناء على ذلك، تُبذل منذ بداية الهجوم جهود مضادة في واشنطن، عن طريق تسخير شخصيات ليبية، وتوقيع عقود مع شركات علاقات عامة، أثمرت بعض التطورات في العلاقة، من سبيل إجراء رئيس «الوفاق»، فائز السراج، مكالمة هاتفية مع السيناتور البارز ليندسي غراهام، وتنظيم استماع لعدد من الخبراء في لجنة فرعية للعلاقات الخارجية في الكونغرس، وتقديم عدد من المشرعين الأميركيين عريضة للنائب العام تطلب منه التحقيق في ضلوع حفتر في جرائم حرب في ليبيا، وذلك بصفته حاملاً للجنسية الأميركية.
آخر نتائج الحراك في واشنطن رسالة كتبها أربعة أعضاء بارزين في الكونغرس، مختلطين بين جمهوريين وديموقراطيين، لترامب، بُعثت الأربعاء الماضي، وجاء فيها: «يقلقنا الهجوم العسكري المتواصل لخليفة حفتر وجيشه الوطني الليبي، ويشغلنا تهديد هذه الحملة للمدنيين وإمكانية إشعالها لحرب أهلية أكثر عنفاً». وأكد هؤلاء أيضاً «عدم وجود حل عسكري للأزمة الليبية»، لذلك توجهوا إلى الرئيس الأميركي بالقول: «نحثك على أن تشجع وتدعم علناً وقفاً لإطلاق النار، وتعيد تأكيد دعم المسار السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة، وتسلط ضغطاً دبلوماسياً عالياً على جميع الأطراف للانخراط في مسار يفضي إلى مسار انتقالي يقوده مدنيون وإطار سياسي يعزز السلم والاستقرار».