منذ اشتعال جبهات منطقة «خفض التصعيد» في محيط إدلب قبل أسابيع، لم تخرج عن سلسلة الاتصالات الروسية ــــ التركية المكثّفة نتائج واضحة، من شأنها تغيير مجريات الميدان بشكل مفصلي. وعكَس الضغط الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة حاجة تركيا إلى دعم على طاولة مفاوضاتها الساخنة مع الجانب الروسي بخصوص «جيب إدلب». وعلى رغم استمرار القصف الجوي والمدفعي، برزت إشارات ميدانية واضحة تدلّ على وجود إرادة لانتظار ما قد تفضي إليه القنوات الدبلوماسية، كان أهمّها التجميد المؤقت لأي تحرك بري قد يغيّر خريطة السيطرة.حالة «الانتظار» تلك قد تتطور إلى «هدنة مرحلية» جديدة، يجري بحثها بين موسكو وأنقرة، لتكون مقدمة لتغيّرات مفترضة على واقع منطقة «خفض التصعيد». وتتقاطع عدة مؤشرات لتشي بأن التحضيرات لهذه «الهدنة» باتت في مراحل متقدمة نسبياً، من دون إمكان الجزم بأن إنفاذها هو «خيار حتمي ووحيد». إذ شهد مساء أمس اتصالاً بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره التركي رجب طيب إردوغان، لنقاش ملف إدلب، وفق ما أفاد به بيانا الرئاستين. وأكد «الكرملين» أن الطرفين تطرقا إلى «أهمية تعزيز العمل المشترك على تحقيق الاستقرار في منطقة إدلب، بما يتضمّن اتخاذ إجراءات فعالة لإنهاء التنظيمات الإرهابية». وقالت «دائرة الاتصال» في الرئاسة التركية، بدورها، إن إردوغان شدد على «ضرورة تحقيق وقف إطلاق النار في أقرب وقت... والتركيز على الحل السياسي من جديد»، مضيفاً إن من الضروري «منع وقوع مزيد من الضحايا... وتحييد احتمال حدوث موجة نزوح جديدة نحو الحدود التركية».
ينتظر أن يفتح معبرا صوران وأبو الضهور أمام حركة المدنيين


وتقاطع البيانان عند نقطة واحدة هي «تحقيق الاستقرار» في إدلب، فيما أشار الطرف الروسي بوضوح إلى «إنهاء التنظيمات الإرهابية». وتؤكد تلك الإشارة أن موسكو ستعمل وفق الإطار الذي يتيحه اتفاقا «أستانا» و«سوتشي» على استهداف الجماعات المصنّفة إرهابية داخل منطقة «خفض التصعيد»، فيما ستتيح «الهدنة» المفترضة مجالاً أمام تركيا لاتخاذ خطوات جدية على طريق تنفيذ «مذكرة التفاهم» الخاصة بإدلب، والموقّعة في سوتشي قبلاً. وكانت تركيا قد لوّحت، في غير مناسبة، بورقة هيمنتها على طيف كبير من المعارضة السياسية، عبر التأكيد أن استمرار التصعيد سينعكس سلباً على مسار تعاونها مع إيران وروسيا ضمن صيغة «أستانا/ سوتشي». وهو ما أكّده «مجلس الأمن القومي» التركي، عقب اجتماعه أمس، بالقول إن التصعيد في إدلب «يخرّب روح عملية أستانا».
وتكشف معلومات ميدانية أن هناك تحضيراً لاحتمال إعلان «هدنة» جديدة، لكنها تتضمن إجراءات مختلفة عن سابقاتها. وستكون أبرز التغيرات على الأرض افتتاح معبرين مُخصّصين لانتقال المدنيين الراغبين في مغادرة «جيب إدلب» نحو مناطق سيطرة الحكومة السورية. وبينما يُعدّ معبر أبو الضهور في ريف إدلب الشرقي جاهزاً لهذه العملية، وهو سبق أن شهد عبوراً للمدنيين في فترات سابقة، تم إعداد معبر صوران في ريف حماة الشمالي للمهمة نفسها. ويفترض أن تكون «الهدنة» فرصة لمغادرة المدنيين، بما يمنع تعرّضهم لأخطار العمليات العسكرية التي قد تعود إلى الواجهة بعد مهلة غير محددة بدقة. وستكون أنقرة من جديد أمام جملة من التحدّيات خلال مرحلة «الهدنة» المفترضة، وأهمها إدارة ملف «هيئة تحرير الشام» وباقي الفصائل المُصنّفة إرهابية، وتعاون الأخيرة الميداني مع «الجيش الوطني» و«الجبهة الوطنية للتحرير». ولا يحيّد هذا السياق احتمالات تسخين الميدان مجدداً، ولا سيما على جبهات حساسة مثل ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، حيث تنشط الفصائل المنضوية ضمن «غرفة عمليات وَحرِّض المؤمنين»، وعلى رأسها «حراس الدين».