في خطوة غير مسبوقة، وذات دلالات مرتبطة بأكثر من ملف ساخن في المنطقة، يُعقد في القدس المحتلة لقاء أمني ثلاثي، إسرائيلي ــــ روسي ــــ أميركي، يُتوقع أن يركز على الساحة السورية وتطوراتها الأخيرة، وفي المقدمة ما يرتبط بالوجود الإيراني فيها، الذي يُعدّ من ناحية تل أبيب، تهديداً استراتيجياً. وفي بيان صدر عن البيت الأبيض، ورد أن اللقاء الأمني الثلاثي سيُعقد في حزيران/ يونيو المقبل، ويجمع كبار المسؤولين الأمنيين للبلدان الثلاثة: مستشارو الأمن القومي للولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل، جون بولتون ونيكولاي باتروشيف ومائير بن شابات. ووفقاً لنص البيان، سيناقش الاجتماع «قضايا إقليمية مختلفة»، يبدو أن المعنى شبه الوحيد لها هو الوجود الإيراني في المنطقة، في الساحتين السورية والعراقية تحديداً، وكذلك اللبنانية التي ترتبط بهما.مصادر دبلوماسية إسرائيلية قالت لصحيفة «يسرائيل هيوم»، أمس، إن «إسرائيل تقوم بدور صلة الوصل والجسر الذي ينقل الرسائل بين القوتين العظميين حول قضايا المنطقة، لكن دلالات اللقاء تتجاوز ذلك بكثير».
بالطبع، لا يحمل اللقاء جديداً في ما يتعلق بالتواصل بين أقطابه حول الملف الأساسي الذي يشغل تل أبيب وواشنطن، وهو الوجود الإيراني في سوريا. إذ إن اللقاءات الثلاثية في هذا الإطار لم تتوقف سابقاً، وتحديداً في مرحلة ما بعد التسليم بالغلبة العسكرية لأعداء إسرائيل، أي الدولة السورية وحلفائها وفي المقدمة إيران. وهي لقاءات يتخلّلها عرض الكثير من الاقتراحات والخطط والإغراءات على الجانب الروسي، بهدف حمله على التحرك لدفع الإيرانيين إلى الانسحاب أو الانكفاء في سوريا.
تؤكد موسكو دوماً أن موقفها متمايز عن إيران في سوريا


من بين هذه المقترحات ما كان إسرائيلياً، وكذلك أميركياً، وللمفارقة أيضاً روسياً، ومنها ما سُرّب إلى الإعلام، ومنها ما بقي خارج التداول الإعلامي. لكن معظمها سقط فوراً بعد التداول به، وخصوصاً أنه كان تعبيراً عن أمنيات أكثر من كونه اقتراحات عملية قابلة للتحقق، وتحديداً من ناحية تل أبيب التي تأخرت كثيراً مع واشنطن كي تدرك أن موسكو لا ترغب في مواجهة طهران، وأن ذلك يتعذر عليها حتى لو رغبت به. الجديد في التواصل الثلاثي حول إيران هو علانيته ومكان انعقاده، وهوية الشخصيات الأمنية المشاركة فيه، وبالأخصّ من الجانب الروسي. وهو، من ناحية إسرائيل، رسالة قوة تُوجَّه إلى إيران والدولة السورية بأن المواجهة مستمرة ضمن مروحة تتجاوز الخيارات الأمنية والعسكرية التي ثَبُت قصورها العملي، وتصل إلى حدّ إمكان سحب موسكو ودفعها إلى الانزياح عن موقفها المعلن والعملي من إيران ونفوذها في سوريا والمنطقة.
بالطبع، يُعدّ هذا المنحى مبالغاً فيه، لكن المبالغة في عرضه لا تلغي وجوده. وعملياً، تُعدّ المشاركة العلنية للجانب الروسي في القمة الثلاثية، وبهذا المستوى، وفي إسرائيل تحديداً، رسالة تمايز عن إيران. تمايزٌ هو هدف في ذاته من ناحية الروس، ومن شأنه أن يؤكد من جديد أن الشراكة مع الإيرانيين في القتال على الساحة السورية لا تعني حلفاً في وجه أحلاف أخرى في المنطقة، وبالأخصّ إزاء إسرائيل ومصالحها. وفي الوقت نفسه، لا تفوّت روسيا أي فرصة لتأكيد حضورها ونفوذها وشراكتها في المعادلات الإقليمية التي باتت هي واحدة من أهم مركّباتها، وبصورة أساسية الاعتراف الإسرائيلي ــــ الأميركي بهذا الواقع، ومن ثم البناء عليه كحقيقة واقعة. واللقاء، على رغم كل تمظهراته وخدمته للمصلحة الإسرائيلية في الصراع مع العدوّين الإيراني والسوري، هو تأكيد وإقرار أميركي ــــ إسرائيلي بالمكانة الروسية في المنطقة وفي سوريا تحديداً، في فرصة يتعذّر على موسكو تجاوزها.
هل سينتج من اللقاء توافق على مقرّرات عملية تنفيذية ضد الوجود الإيراني في سوريا؟ هذا بالطبع من أهم الأهداف الاستراتيجية التي تعمل عليها تل أبيب في هذه الفترة، بعد إدراكها فشل المقاربات العسكرية في تحقيق أهدافها. وإن كان من المبكر الإجابة، لكنّ دونَ هذه النتيجة عقباتٍ يصعب تصور تجاوزها، هذا على فرضية التوافق والقدرة على التوافق بين الجهات الثلاث. مع ذلك، في القراءة للموقف الروسي من المشاركة غير المسبوقة، يمكن الارتفاع درجة، وربما درجات، في تأكيد أن هذا الموقف متمايز عن إيران في سوريا، وفي الموازاة التشديد على «الصداقة» مع الجانب الإسرائيلي.
كيفما اتفق، يُعدّ أصل انعقاد القمة في فلسطين المحتلة، وبصورة أساسية المشاركة الروسية فيها، إنجازاً إسرائيلياً يتوافق مع الصورة التي تريدها تل أبيب لنفسها في المنطقة، في كونها، وهي كذلك، الجهة التي يسارع الجميع، ومن بينهم روسيا، إلى مناقشة سبل تحقيق مصالحها وإبعاد التهديدات الأمنية عنها.