القاهرة | بدأت الحكومة المصرية خطة لاستغلال محطات الكهرباء التي أنشأتها الدولة خلال السنوات الأخيرة بقروض كبيرة تجاوزت حاجز 366 مليار جنيه (100 دولار = نحو 1700 جنيه)، ونفذت غالبيتَها شركةُ «سيمنز» الألمانية في زمن قياسي، وذلك بـ«الأمر المباشر» (من دون مناقصات) من الحكومة، وضمن مواصفات لتحقيق أقصى استفادة إنتاجية. لكن الدولة أدخلت طاقة إنتاجية تفوق الاحتياج الفعلي بضعف ونصف ضعف، وهو ما أدى إلى وقف تشغيل عدد من المحطات (راجع: فائض الكهرباء يوقف المحطات الجديدة! العدد 3665 في 2019/1/18).وتخصّص مصر، في موازنة العام المالي المقبل الذي يبدأ في الشهر السابع من كل عام، ربع مخصّصات الديون لسداد قروض قطاع الكهرباء التي حصلت عليها في السنوات الماضية، وذلك ضمن خطة جدولة الديون، في ظلّ الالتزام الكامل من البنك المركزي بسداد المستحقات في مواعيدها من دون تخلّف على الإطلاق. وفي الخطوة الجديدة، تعتمد الحكومة على قانون تنظيم «الشركة القابضة للكهرباء»، الصادر في 2013 والذي يسمح بطرح ما أقصاه 49% من ملكية شركات الإنتاج والتوزيع على القطاع الخاص، من بعد موافقة مجلس الوزراء. وهي الخطوة التي يبدو أنها ستحدث ببساطة، في ظلّ السعي الحكومي الحثيث إلى بيع الأصول أو مشاركة القطاع الخاص فيها لتخفيف الديون. وهي مساعٍ تتّسق وتوصيات بعثة «صندوق النقد الدولي»، التي ــــ على رغم انتهاء دفعات قرض الـ12 مليار دولار قريباً وصرف الدفعة الأخيرة منه نهاية الشهر المقبل ــــ ستواصل زيارة البلاد لمتابعة مدى التزام الحكومة تنفيذ «الإصلاحات الاقتصادية» بالتزامن مع بدء سداد قيمة القرض.
يمكن أن تستفيد الشركات بتوليد طاقة بسعر رخيص والبيع للخارج


وفي وقت سابق، نشرت وكالة «بلومبرغ» الأميركية أن القاهرة تدرس عروضاً من وحدة تابعة لمجموعة «بلاك ستون» الدولية، ومجموعة «إيدرا باور» القابضة من ماليزيا، للاستحواذ على ثلاث محطات تصل طاقتها الإنتاجية إلى 14.4 جيجاوات، وكانت قد كلّفت ستة مليارات يورو، ومُوِّلَت باقتراض خارجي بقيادة «دويتشه بنك» الألماني. لكن وزارة الكهرباء أكدت رسمياً أنها تلقت عروضاً من جهات أخرى لشراء المحطات الجديدة، في وقت تستمرّ فيه «سيمنز» بصيانة المحطات الثلاث وتشغيلها، وفق العقد الموقع مع الوزارة حتى 2023، علماً بأن من بين الأطروحات الجاري نقاشها حالياً طرح أسهم هذه المحطات في البورصة.
وتعتمد الحكومة على تصور يقضي بشراء الكهرباء المنتَجة من المحطات بعد بيع الأخيرة، إما بشراء كلي أو بالشراء وفق الحاجة، مع العلم بأنّ الدولة التي طالبت المواطنين في وقت سابق بإنتاج الكهرباء على الأسطح مقابل شرائها منهم، توقفت عن ذلك بسبب الفائض الكبير المتحقق في الطاقة، الذي أدى إلى إيقاف المحطات الأقلّ إنتاجاً، التي تستهلك كميات أكبر من الوقود. والجدير بالذكر أن سعي الحكومة للاكتفاء بمتابعة التوزيع على المدى المتوسط خلال السنوات المقبلة يأتي نتيجة لرفع الدعم كلياً عن الكهرباء، وهي الخطة التي يجري تطبيقها منذ 2015 تدريجاً كل عام، علماً بأنه بحلول العام المالي 2021 ــــ 2022 سيكون بيع الكهرباء للمنازل بالسعر الحر.
تقول مصادر رسمية، لـ«الأخبار»، إنه لم يحصل الاتفاق حتى الآن رسمياً على بيع المحطات، بل هناك تصورات للتعامل مع هذا الأمر وتحقيق أقصى استفادة، من أجل تحقيق أفضل عائد على الدولة، لكن هذا مرتبط بإمكانية الاتفاق على بيع محطة بصورة كاملة على سبيل المثال، أو المشاركة مع القطاع الخاص، أو حتى الاتفاق على البيع مع حصول الحكومة على الإنتاج بأسعار مخفضة لمدة معينة، وهي جميعها خيارات لا تزال قيد الدرس حالياً. وتضيف المصادر نفسها أن إعلان الحكومة هذه الخطوة جاء مقصوداً لتلقي المزيد من العروض، خاصة أن عدة محطات لا تعمل بطاقتها الإنتاجية الكاملة، ومن بينها محطة العاصمة الإدارية الجديدة التي تعمل بأقلّ من نصف طاقتها، ومحطة البرلس التي وصفها الرئيس عبد الفتاح السيسي بأنها «ثورة في توليد الطاقة الكهربائية». وتلفت إلى أن إنتاج مصر من الطاقة بعد اكتمال المشروع النووي في الضبعة سيجعلها في غنىً عن أي محطات جديدة حتى 50 عاماً على الأقل، مشيرة إلى أن الشركات الأجنبية التي تأمل الاستثمار في مجال إنتاج الكهرباء في البلاد ستعتمد بصورة رئيسة على بيع إنتاجها للخارج وتصديره، مستفيدة من انخفاض قيمة الجنيه وكلفة الإنتاج مقارنة بدول أخرى.