يتجه طرفا الصراع في السودان إلى التصعيد مع دخول الإضراب العام الذي دعا إليه تحالف قوى «إعلان الحرية والتغيير» حيز التنفيذ اليوم (الثلاثاء)، بعد فشل المفاوضات في الاتفاق على «المجلس السيادي»، واتجاه العسكر إلى حلفائه الخارجيين لحشد الدعم والتسويق لرؤيته للمرحلة الانتقالية، والتلويح بالدعوة إلى انتخابات مبكرة.ويهدف الإضراب الذي يشمل قطاعات الكهرباء والتعليم والمواصلات والطيران والمصارف وسوق الأوراق المالية والمحاكم والصحف (باستثناء تغطية أخبار الإضراب)، والمؤسسات الطبية في القطاع الخاص (لن ينطبق على الحالات الطارئة)، إلى «تحقيق جميع مطالب الشعب»، بحسب بيان لقوى «الحرية والتغيير» مساء أمس، أكد أن التحالف المعارض سيذهب «إلى تصعيد أعلى» في حالة عدم استجابة السلطة، وصولاً إلى «إضراب شامل وعصيان مدني مفتوح».
ويبدو أن الاستجابة ستكون كبيرة ومؤثرة نظراً للتفاعل في المؤسسات الحكومية والشركات العامة والخاصة والمصارف والجامعات والقطاعات المهنية، في ظلّ استمرار الاعتصام أمام مقرّ قيادة الجيش في الخرطوم. فبعدما شهدت العاصمة ومدن أخرى، خلال الأيام القليلة الماضية، وقفات احتجاجية لعاملين طالبت «العسكري» بتسليم السلطة للمدنيين، نفذ عاملون أمس، في هيئة السكك الحديدية في مدن الخرطوم وعطبرة (شمال) ومدني (وسط) وكوستي (جنوب)، وآخرون في مطار الخرطوم، وعمال وحرفيون في «المنطقة الصناعية كوبر» شمالي الخرطوم، وقفات احتجاجية برزت فيها شعارات تأييد للإضراب العام.
ورداً على تلويح «العسكري» بالدعوة إلى انتخابات مبكرة على لسان عضو المجلس، صلاح عبد الخالق، الذي اعتبر أن الجيش «هو الضامن لأن تكون الانتخابات حرة ونزيهة وشفافة»، ومحاولته الترويج لهذا الخيار في جولته على محور السعودية ومصر والإمارات، وفي جنوب السودان وكينيا، أكد التحالف المعارض أن «أي تلويح بعقد انتخابات يُعدّ أمراً سلبياً»، مصرّاً «على تمثيله بأغلبية المجلس السيادي ورئاسته»، على اعتبار أن الشعب هو «الضامن للثورة» وليس العسكر.
وفي ضوء ذلك، عاد نائب رئيس المجلس، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، إلى فكرة إشراك أطراف أخرى في السلطة المدنية، بهدف المماطلة في المفاوضات، التي قال إن «المجلس العسكري» لن يغلق بابها، وهو طرح كان المجلس قد اختبره في بداية المفاوضات (الجولة الأولى) حين دعا إلى مشاركة أحزاب سياسية كانت جزءاً من النظام البائد، قبل أن يعرقله قادة الحراك بمسيرة مليونية طالبت بتسليم السلطة لقوى «الحرية والتغيير»، وسُلّمت على إثرها وثيقة دستورية تتضمن رؤية التحالف المعارض للمرحلة الانتقالية.
ويضع شلل البلاد المحتمل «المجلس العسكري» في مأزق، يبدو أنه سيدفعه إلى التصعيد على الأرض بوجه المضربين، بحسب ما بدا في تهديدات «حميدتي»، أمس، في كلمة أمام قوة شرطية في الخرطوم، حذّر فيها من وجود قوى (لم يسمها) تسعى إلى الوقيعة بين الجيش وقوى «الحرية والتغيير»، وهو تحذير سبق أن أطلقه قبل هجومين دمويين على ساحة الاعتصام المفتوح، حيث سقط سبعة قتلى وأكثر من مئتي جريح، الأسبوع الماضي، ما يشي بأن دقلو ماضٍ في محاولة فضّ الاعتصام بالقوة، وإنهاء مظاهر الاحتجاجات، الأمر الذي يبدو على الأرض صعب المنال. فـ«حميدتي»، الذي كان قد هدد بفصل أي شخص يضرب عن العمل الأربعاء الماضي، شدد أمس على ضرورة نزول قوات الشرطة إلى الشارع لحفظ الأمن، بمساعدة من قوات الأمن و«الدعم السريع» (تابعة للجيش)، التي كانت قد نفذت الهجمات على المعتصمين.
ولتغطية استخدام القوة المحتمل، يسعى دقلو إلى إظهار الصراع كما لو أنه بين قوى «الحرية والتغيير» وقوات «الدعم السريع» التي يرأسها، بقوله عشية الإضراب العام إن «قوى إعلان الحرية والتغيير تريد تغيير كل الأجهزة الأمنية، بما فيها قوات الدعم السريع»، وحديثه عن أن «أهدافنا تتمثل بفرض هيبة الدولة».
في ضوء ما سبق، اعتبر «الحزب الشيوعي السوداني» أن «المجلس العسكري امتداد لنظام (المؤتمر الوطني) الشمولي الفاسد»، مشيراً إلى «تراجعه عن تجميد ممتلكات المنظمات التابعة للنظام»، وسعيه إلى «إشراكهم في ترتيبات الفترة الانتقالية». وأضاف في بيان أمس، أن «العسكري» بات «يخطط لتفكيك القوات المسلحة السودانية عن طريق استيعاب ودمج الميليشيات القبلية وتنظيمات النظام البائد العسكرية ضمن القوات المسلحة»، معتبراً أن زيارات رئيسه ونائبه إلى مصر والإمارات والسعودية كشفت عن «عمالته للمحاور الإقليمية... استمرار لنهج النظام البائد بالمشاركة في المحاور والتدخل في شؤون الدول الأخرى، بزج القوات السودانية في حرب اليمن مقابل ثمن بخس».
وفي ظلّ تباين الرؤى بين قوى تحالف «الحرية والتغيير»، وحزب «الأمة القومي» برئاسة الصادق المهدي، اتهم «الشيوعي» الأخير بأنه بات ينفذ مخطط «المجلس العسكري» و«قوى الثورة المضادة»، من خلال بيانه الذي يعترض فيه على إعلان الإضراب السياسي.