عزّز ارتفاع عدد الفقراء في سني الحرب الأخيرة، انتشار محال «البالة» التي تبيع ألبسة لا يجوز استيرادها وفق القانون، على رغم أن ميسوري الحال هم على رأس لائحة زبائنها. يقول أحد باعة «البالة» في سوق الإطفائية المعروف، إن «البالة ليست حكراً على الفقراء والموظفين... بل يقصدها ميسورو الحال الذين يدّعون لاحقاً أن ملبوساتهم من الماركات الشهيرة». لكنه يشير في الوقت نفسه إلى أن الأغنياء «يختارون أفضل الأنواع، المعروفة باسم الكريم والسوبر كريم، وهي تباع بأسعار مرتفعة» عن سواها. ويؤكد جاره الأربعيني، أبو محمد، أن بعض المحال التجارية تشتري من «البالة»، وتبيع الألبسة على أنها جديدة بأسعار مضاعفة. ويروي أنه رأى القطعة نفسها المعروضة في محلّه معلّقة في واجهة أحد المحال المشهورة بسعر مرتفع.لا يجد أصحاب الدخل المحدود حرجاً في التوجه إلى «البالة»، حيث تؤكد الشابة الثلاثينية، وفاء عباس، أنها تجد فيها طلبها لناحية الموديل والجودة والسعر المناسب، فيما تردّ سيدة في الخمسين من عمرها على سؤال حول تغير نوعية البضاعة عن أيام ما قبل الحرب، بلهجة شامية والضحكة على وجهها: «شي بيشهّي». وتترحّم سوسن أحمد (موظفة) على أيام «الألبسة الأوروبية» قبل الحرب، أثناء الحديث معها في منطقة الشيخ سعد التي أصبحت تضمّ محال «بالة» أكثر من تلك التي تبيع ملبوسات جديدة، وتقول: «قبل الحرب، كنا نجد قطعاً مميزة غير ملبوسة، مع أحدث الموديلات وأرخص الأسعار... اليوم، نفتل السوق كلّه ولا نجد قطعة مثل الخلق والعالم، والأسعار نار».

«أوروبية» بالاسم
معظم الألبسة التي تبيعها محالّ «البالة» تأتي من معامل في دول شرق آسيا، وليست في أوروبا كما يُروَّج لها. وهو ما يؤكده رئيس «اتحاد المصدّرين السوريين»، محمد السواح، فيقول: «منذ عشر سنوات، لم يعد هناك صناعة أوروبية، بعد انتقال المعامل إلى شرق آسيا، لذا أغلب ألبسة البالة اليوم صناعة صينية وبنغالية وفيتنامية». ويشرح أن «بعض التجار، وهم قلّة، يتولون إحضار بقايا المعامل في شرق آسيا وعرضها في البالة». ويبين السواح أن «البالة خمسة أصناف، سوبر كريم وكريم ونوع أول وثانٍ وثالث، والصنفان الأولان لا يقدر الفقراء على شرائهما بسبب أسعارهما المرتفعة، أما النوعان الأول والثاني فيباعان بسعر المنتج الوطني ويباع الثالث على البسطات».
يطالب صناعيون وتجار بتنظيم «البالة» ومنع منافستها للمنتجات المحلية


عرض محالّ البالة بضاعة تركية وشرق آسيوية والادعاء بأنها أوروبية، أثار استهجان البعض في سوق الإطفائية، فيما ردّ صاحب محل «بالة» بحنق على سؤال عن أسباب عرض منتجات تركية مع وضع بطاقة جديدة تبرز سعرها، بالقول: «شو بيهمّك شو مصدر البضاعة، المهم نوعية جيدة وسعر مقبول للمواطن». ويرجع صاحب إحدى الصالات المعروفة في سوق الإطفائية غلاء الأسعار إلى التهريب. فبرأيه، دخول البضاعة بطريقة نظامية كان سيوفّر أجور الشحن. ويوضح أن «تكلفة نقل البضاعة من الحدود اللبنانية ارتفعت إلى 35 ألف ليرة بعدما كانت 25 ألفاً، علماً بأن سعر الرصّة (مستوعب صغير) التي تضمّ قرابة 70 كيلوغراماً، يصل إلى 200 ألف ليرة، ومع أجور النقل والأتاوات، يصبح المبلغ 300 ألف ليرة».

«ضرر كبير»
انتشار «البالة» في المدن السورية من دون استثناء، يثير شكاوى من صناعيين وتجار ألبسة جديدة. يمكن فهم ذلك خلال جولة في منطقة الشيخ سعد، حيث يدخل الزبائن محالّ «البالة» بينما يمرّون أمام تلك التي تبيع ألبسة جديدة من دون توقف. نسأل صبية عشرينية، صاحبة أحد محال الألبسة الجديدة في المنطقة ذاتها، عن تأثير «البالة»، لتردّ بكل بساطة: «الرزق على الله، والحركة التجارية عادية، يوم بيصير بيع ويوم ما بيصير، لكن حتماً البالة أثرت على المنتج الوطني».
ويصف رئيس اتحاد المصدرين، «ضرر البالة» على المنتج المحلي، بأنه «تدمير لصناعة النسيج في سوريا، تحت مسمى حاجة الفقير». ويستغرب «عدم دخول الجمارك والمالية إليها رغم أنها مهربة، عدا عن ضررها على المنتج المحلي وصحة الإنسان، فأحياناً تحوي مواد مسرطنة، ومع ذلك لا أحد يجرؤ على الاقتراب منها، فقد أصبحت كالخبز تماماً». يتفق معه خازن غرفة صناعة دمشق وريفها، ماهر الزيات، مشيراً إلى أن «الحرب أدت إلى إفقار نسبة كبيرة من السوريين، الذين يبحثون عن البضاعة الرخيصة، بغض النظر عن جودتها، التي تعدّ أقل جودة من المنتج الوطني». ويلفت إلى أن «البضاعة السورية معروفة بجودتها... وهناك منتجات أرخص من البالة بكثير، لأن الأخيرة لم تعد رخيصة كونها تأتي من لبنان تهريباً، وتحتاج إلى مسيرة طويلة لدخولها». ويرى أن «من الضروري تنظيم سوق البالة وإدخال بضاعة وطنية فيها إذا لم تقدر الحكومة على مكافحتها، من أجل الفقراء وحماية الصناعة المحلية». في حين يرى معاون وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية، بسام حيدر، أن «الوزارة عملت المطلوب لحماية المنتج الوطني، فالبالة ممنوعة من الاستيراد لضررها على الصناعة المحلية وضررها الصحي، وبالتالي مسؤولية مكافحتها تقع على الجهات المعنية بمكافحة التهريب».