القاهرة | يواصل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، تنفيذه نهجه في إنجاز المشروعات الضخمة خلال وقت قياسي من أجل تسجيل الإنجازات باسمه، بغضّ النظر عن أهمية السرعة في تنفيذها قياساً بمدى الحاجة إليها. فعلى غرار شخصية «مرجان» التي قدمها الفنان الشهير عادل إمام في فيلمه «مرجان أحمد مرجان»، وأطلّ فيها بصفته صاحب أول وأكبر كل شيء في مصر، يمثّل السيسي النهج نفسه، لكنه يحمّل غيره فاتورة قراراته. أمس افتتح الرئيس «محوراً مرورياً» على نيل القاهرة، وهو «محور روض الفرج» وجسر «تحيا مصر» المعلّق المارّ أعلى نهر النيل، وقد دخل موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية كأعرض جسر فى العالم بـ64.70 متراً، وهو المشروع الذي نُفِّذ في ثلاث سنوات فقط، لكنه سبّب إزالة عشرات الأشجار المعمَّرة ومناطق سكنية بالكامل، بعد صرف تعويضات هزيلة لأصحابها في غالبية المناطق.في «المحاور المرورية» المفتتحة، لم يكن على أجندتها سوى خدمة التجمعات السكنية الفاخرة التي يجري العمل عليها، سواء في القاهرة الجديدة أو العاصمة الإدارية، علماً بأنّ التنفيذ السريع لهذه المحاور خارج نطاق الاختناق المروري في القاهرة الكبرى جاء متزامناً مع مخطط لتنفيذ شبكة الطرق القومية كان قد انطلق مع وصول الجنرال إلى السلطة، وذلك بتجهيز ثمانية آلاف كيلومتر جديد من المحاور والطرق السريعة. وخلال حديث الرئيس، كَشف عن جزء من آلية تنفيذ المشاريع الجديدة، رغم غياب الموارد المالية الكافية، فـ«الجنرال» برّر الاستعجال في التنفيذ بفارق السعر. ووفق رئيس «الهيئة الهندسية للقوات المسلحة»، اللواء إيهاب الفار، فإن المشروعات الأساسية تكلفتها نحو 170 مليار جنيه (100 دولار = 1800 جنيه تقريباً)، بينما إذا كان سيجري تنفيذها حالياً، فإنها كانت ستكلف 400 مليار.
سبّب المشروع إزالة عشرات الأشجار المعمَّرة ومناطق سكنية بالكامل


لكنّ ما تحدث به الفار جزء من الحقيقة، فالمشروعات كلّفت بالفعل 400 مليار، بغضّ النظر عن وقت التنفيذ، لكن الدولة لم تسدد سوى 170 ملياراً، هي التي اتُّفق عليها مع المقاولين والشركات الهندسية، ثم حُمِّلَت الشركات فرق تغيير سعر الصرف بعد الاتفاق على المشاريع التي وُقِّعَت غالبيتها قبل تحرير سعر الصرف وتخفيض قيمة العملة بنحو 100% دفعة واحدة! ثم صُرفت بعض التعويضات الخاصة للمقاولين عقب مماطلة ومفاوضات أخرجت الشركات بأقل الخسائر، لكنها لم تمنحها الفرصة لتحقيق ربح على الإطلاق. أما في المشروعات التي تشرف عليها «الهيئة الهندسية»، فجرت عمليات مماطلة مرتبطة بسداد حتى المبالغ المتفق عليها، خاصة مع الشركات الحكومية المشاركة في التنفيذ. وفي التفاصيل التي وصلت «الأخبار»، لم تتقاضَ شركة «المقاولين العرب» المنفذة للمشروع بالتعاون مع الجيش باقي مستحقاتها، بل ستحصل عليها عبر دفعات تكون من عائد الرسوم «الكارتة» لمستخدمي الطريق (العبور)، التي تُعَدّ الأعلى من بين جميع الرسوم على أي طرق البلاد، كذلك فإن جميع الطرق التي ينفذها الجيش وضع رسوماً للمرور عليها.
فلسفة السيسي في زيادة الرسوم ومضاعفتها ليست مبنية على قدرة المواطنين على سداد رسوم الطرق التي تختصر الزحام، بل على استمرارية صيانة الطرق دون أن تتحمل الدولة أي أعباء مالية، إذ يجري الإنفاق على الطرق من عائدات رسومها، بل الاستفادة من هذه الرسوم في مشروعات أخرى ينفذها الجيش دون أن تكون هناك فئات مستثناة من الدفع سوى رجال الجيش. أيضاً لم يخفِ رئيس «الهيئة الهندسية» فلسفة الجيش في تحديد موعد الافتتاح، إذ جاء ليتزامن مع احتفال مصر بذكرى «انتصار العاشر من رمضان»، في إشارة إلى عبور قناة السويس واجتياح «خط برليف»، مع أنه في العبور الجديد وضع الجيش رسوماً لمختلف أنواع السيارات بما فيها الدراجات النارية!