جوبا | على رغم توصل أطراف اتفاقية السلام في جنوب السودان إلى اتفاق على تمديد الفترة ما قبل الانتقالية، وتأجيل إعلان الحكومة ستة أشهر اعتباراً من 12 أيار/ مايو الجاري، وتعهد السلطات بتوفير 100 مليون دولار لتنفيذ البنود العالقة، إلا أن المخاوف لا تزال تراوح مكانها، في ظلّ غياب التوافق بين الحكومة والمعارضة، وعدم توفر الإرادة السياسية، الجانب الأهم في العملية السلمية. التوافق بين الطرفين دفعت به منظمة «إيغاد» بقوة، خلال محادثات استمرت يومين في أديس أبابا، جمعت الفصيلين المتخاصمين في محاولة لإنقاذ الاتفاق الموقّع في أيلول/ سبتمبر 2018. وجاء هذا التمديد بعدما تقدمت المعارضة المسلحة بقيادة رياك مشار بمقترح في شأنه، مُدافعةً بأن التأجيل سيسهم في معالجة القضايا التي لم يتم تنفيذها خلال الفترة ما قبل الانتقالية المُقدّرة بثمانية أشهر. لكن المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة جوبا، جاكوب شول، يرى، في حديث إلى «الأخبار»، أنه «كان من الأفضل لإيغاد أن تبحث عن صيغة أخرى مختلفة لتنفيذ الاتفاق، وليس تمديد الفترة ما قبل الانتقالية وتأجيل إعلان الحكومة لستة أشهر أخرى»، مشيراً إلى أن «الحكومة بقيادة سلفا كير ميارديت، والمعارضة المسلحة بقيادة مشار، لن تستطيعا تنفيذ أي اتفاق للسلام معاً، لأن الرجلين لن يستطيعا العمل معاً».وكانت الحكومة قد أعلنت، قبل أسبوع، تمسكها بضرورة إعلان بداية الفترة الانتقالية في الموعد الذي حددته الاتفاقية، وهو ما اعتبره محللون سياسيون نوعاً من التكتيك الذي تريد أن تَظهر معه أكثر جدية والتزاماً بالعملية السلمية أمام الإقليم والمجتمع الدولي، بدليل قبولها مقترح التمديد المُقدَّم من المعارضة من دون أي اعتراضات. لكن بالنسبة إلى نائب رئيس جنوب السودان، جيمس واني إيقا، لم تكن الحكومة هي السبب وراء تأخير تنفيذ بنود الفترة ما قبل الانتقالية، وإنما «هناك عدد من المصاعب والمعوقات التي واجهت الأطراف خلال الفترة التي أعقبت توقيع اتفاق السلام، من بينها غياب التمويل الدولي، وعدم اكتمال مهمات مفوضية الحدود». وأضاف، في تصريحات إلى الصحافيين في جوبا أول من أمس، إن الحكومة لم تعرقل تنفيذ بنود الاتفاقية، بل «قمنا بدفع 10 ملايين دولار كمساهمة منا في الدفع بتنفيذ اتفاقية السلام»، مشيراً إلى أن «وساطة الإيغاد لم تقم بتكوين مفوضية الحدود في الوقت المحدد، لذلك وافقنا على تمديد الفترة الانتقالية».
تمديد الفترة ما قبل الانتقالية فرصة تبدو أخيرة أمام اتفاق السلام


من جهته، يرى نائب رئيس المعارضة المسلحة، هنري إدوار، أن «إرجاء تكوين الحكومة ستة أشهر كان ضرورياً حتى تتمكن الأطراف من حل القضايا المتعلقة باتفاق الترتيبات الأمنية والقضايا الأخرى»، معتبراً في حديث إلى «الأخبار» الاتفاق الأخير «دليلاً كافياً على أن الإرادة السياسية إذا توافرت، فإنه يمكننا تجنب انهيار السلام وعودة الحرب مجدداً». والجدير ذكره، هنا، أن الطرفين اتفقا أيضاً على تكوين لجان مشتركة للنظر في المسائل التي فشلا في تنفيذها خلال الفترة السابقة، وإعادة جدولتها ليتمكنا من إنجازها خلال الأشهر الستة المقبلة، الفرصة الأخيرة أمام اتفاق السلام.
ويعدّ الكاتب والمحلل السياسي في صحيفة «جوبا مونتر» الإنكليزية، جيمس بيتر بنجامين، في حديث إلى «الأخبار»، ما جرى في أديس أبابا «محاولة جادة لإنقاذ الاتفاقية من الانهيار الوشيك بسبب تباعد المواقف وغياب الثقة»، لكنه يعتبر أن «المطلوب ليس توفير التمويل لتنفيذ بنود الاتفاق، فالحكومة تملك المال الكافي لذلك، لكنّ هناك غياباً واضحاً للإرادة السياسية وأزمة ثقة بين الرئيس كير ونائبه مشار»، لافتاً إلى أن المطلوب من الوساطة هو «محاولة إيجاد صيغة لإشراك الجماعات غير الموقعة على الاتفاق في التسوية السلمية في أقرب وقت».
على أي حال، يبدو تمديد الفترة ما قبل الانتقالية فرصة حقيقية، وربما أخيرة، أمام الحكومة والمعارضة لتجاوز خلافاتهما، والانصراف نحو التنفيذ الجاد لبنود الاتفاقية، ولا سيما في ما يتعلق بتوحيد القوات وتحديد عدد الولايات، وذلك لكسب ثقة الإقليم والمجتمع الدولي، وقبلهما ثقة الشارع الذي يخشى انهيار «السلام» والعودة إلى القتال.