ووسط انكباب كلّ من حفتر وحكومة الوفاق على التقاتل في طرابلس، استغلّ تنظيم «داعش» الوضع ليحيي نشاطاته. فجر يوم السبت الماضي، شنّ التنظيم هجوماً على مركز تدريب في سبها، أكبر مدن الجنوب الغربي، يسيطر عليه حفتر، وقتل 9 جنود وجرح 6 آخرين، كما أطلق سراح عدد من الموقوفين التابعين له. وعلى إثر ذلك، حاولت الحكومة المؤقتة، التي تدير شرق البلاد بدعم من حفتر والبرلمان، تجيير هجوم «داعش» لمصلحة عملياتها ضد طرابلس. إذ قالت في بيان إن الهجوم «أثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الحشد الميليشياوي الإرهابي الذي تقاتله قواتنا المسلحة الباسلة الآن في طرابلس وضواحيها يضمّ في صفوفه عناصر تنظيم داعش الإرهابي»، داعية سكان المنطقة إلى أخذ الحيطة وخاصة «مع أعمال الجيش الجارية الآن في طرابلس، ومحاولة هذه التنظيمات الإرهابية تشتيت انتباه الجيش، وتركيزه على تخليص العاصمة من هؤلاء الشراذم».
وقّع 113 مثقفاً وفناناً وناشطاً مدنياً ليبياً عريضة تطالب بوقف الحرب
من جهتها، نفت «قوة حماية الجنوب»، المتمركزة في المنطقة والتي تعمل تحت مظلة حكومة الوفاق، أي علاقة لها بالهجوم، وقالت في بيان إنها ترفض أن «تُنسب لها أعمال إرهابية». أما وزارة الداخلية في طرابلس، فأصدرت بدورها بياناً دانت فيه الهجوم، وقالت إن جهودها في محاربة الإرهاب «كانت تسير بخطى ثابتة، وعلى نحو إيجابي، وبالتنسيق والتعاون الدائم على المستوى المحلي والإقليمي والدولي»، معتبرة أن «حالة الفوضى الأمنية التي تسبب بها المدعو حفتر بهجومه على العاصمة طرابلس واحد من عوامل (التشجيع) للتنظيمات الإرهابية والإجرامية التي ترى في الفوضى مناخاً مناسباً لتنفيذ مخططاتها».
على خط مواز، وبعد جلسة تنسيقية منتصف الأسبوع الماضي، اجتمع النواب الرافضون لهجوم حفتر في العاصمة مرة أخرى، حيث انتخبوا رئيساً ومقرراً وناطقاً رسمياً جدداً. وبلغ عدد المجتمعين 47 نائباً من بين 180. ويشهد البرلمان انقساماً حاداً في الموقف من الهجوم، ففي حين يسانده رئيسه عقيلة صالح، وعشرات من النواب الآخرين، يعارضه المجتمعون أمس. ومن المفيد الإشارة إلى أن نسبة الحضور في البرلمان متدنية، حيث لا تصل الجلسات في شرق البلاد إلى النصاب القانوني في أغلب الأحيان، وكثيراً ما تُمرَّر قوانين بتصويت أغلب الحاضرين الذين لا يتجاوز عددهم بضعة عشرات. والانقسام داخل البرلمان أمر قديم، بدأ مع مقاطعة عدد من النواب أنشطته منذ انتخابه، وتفاقم مع توقيع اتفاق الصخيرات، ويزداد الآن تفاقماً. ومن بين أعضاء حكومة الوفاق عدد من النواب، أبرزهم: رئيسها فائز السراج، ووزير الداخلية فتحي باشاغا.
وفي حدث هو الأول من نوعه منذ بداية الهجوم، وقّع أمس 113 مثقفاً وفناناً وناشطاً مدنياً ليبياً عريضة تطالب بوقف الحرب على طرابلس والعودة إلى مسار التفاوض السياسي. وجاء في نصّ العريضة: «انطلاقاً من موقفنا الوطني والإنساني العام، نطلب وقف الأعمال الحربية الجارية حالياً فوراً، ووقف أي تدخل خارجي يغذي خيار الحرب بين الليبيين». ونادى الموقعون بمواصلة «الجهود لعقد المؤتمر الجامع الذي حضّرت له بعثة الأمم المتحدة بأسرع وقت، وعرقلته هذه الحرب، إذ بمثل ذلك نصل الى دولة القانون والمؤسسات، في إطار الدولة المدنية الديموقراطية المنشودة، الجديرة بتضحيات الليبيين».